جدل القصيدة والنقد

  

يعود الجدل حول قصيدة النثر إلى الواجهة بين فترة وأخرى، وتتباين آراء النقاد فيها من مشهد شعري لآخر. وفي المشهد اليمني، واجهت القصيدة الجديدة صعوبة في التلقي، وفي استدراج الخطاب النقدي لمقاربتها والاعتراف بها في حقل الدرس النقدي كغيرها من الأشكال الشعرية المألوفة. ويبدو أن الفضاء الشعري التقليدي لايزال يمارس سطوته على النقاد إلى يومنا. لقد كانت قصيدة الشاعر الراحل عبدالله البردوني تمثل أعلى سقف معاصر في القصيدة العمودية.
 وترك بعد رحيله أحفاداً أوفياء لمدرسته، فتحول الشعر الموزون إلى حاجز بين الناقد والتجارب الشعرية المكتوبة خارج تفاعيل الخليل. هذا ما أدى إلى ندرة التعاطي النقدي لقصيدة النثر، إضافة إلى انغلاق الخطاب النقدي واختزاله في نمط من الدراسات الأكاديمية المهووسة بالماضي منهجاً وموضوعاً.
 
ثمة جهد نقدي نظري بذله الدكتور عبدالعزيز المقالح، لكنه توقف عند حدود التبشير بمستقبل النص الجديد، أو ما يصفه بالأجد. غير أن وقفة المقالح مع التجارب التي ظهرت في عقد الثمانينات كانت أكثر تحمساً، ولم تنل التجارب التي ظهرت في التسعينات وما بعدها حماساً نقدياً مماثلاً، وحين التفت الشاعر والناقد عبدالودود سيف للتجارب الشعرية الجديدة، اكتفى بانجاز مختارات لشعراء التسعينات، وظهرت في شكل تجميعي تنقصه الدراسة والتحليل.
 
 وبدا جهده مجرد عملية توثيق محايدة. من بين الذين اهتموا كذلك بمنجز قصيدة النثر في اليمن الشاعر الراحل محمد حسين هيثم الذي حاور عدداً من الشعراء الشباب، ثم توقف فجأة عن نشر سلسلة الحوارات، وكتب بلهجة منفعلة عن ما اسماه عقلية الميليشيا التي قال انها تتحكم ببعض أدباء التسعينات، لكنه أسهم في ما بعد في طباعة مجموعة من الأعمال الشعرية الجديدة عبر اتحاد الأدباء. ويكتشف المتابع تهرب النقاد وتحاشيهم لتناول قصيدة النثر بقراءة عميقة، باستثناء كتابات نقدية متفرقة في الصحف والزوايا الثقافية.
 
وهي في معظمها كتابات انطباعية يتناوب عليها الشعراء أنفسهم، في غياب الخطاب النقدي القادر على إضاءة النص الجديد، وتقديمه بصورة تليق بالمقترحات الفنية والأسلوبية التي يضعها لتجاوز الركود والنمطية القاتلة في المشهد الشعري المحلي. من بين الأسماء التي تكافح في اتجاه كتابة القصيدة الجديدة، وفي الوقت ذاته تنجز محاولات نقدية لقراءة النتاج الشعري الجديد من داخل المشهد، هناك محمد الشيباني، محمد المنصور، علوان الجيلاني، سلطان عزعزي.
 
وفي مقابل خفوت صوت الناقد اليمني، يحضر الناقد العربي بحيوية في الساحة الإبداعية المحلية، ولا يمكن الحديث عن قصيدة النثر في اليمن دون الإشارة لجهد الناقد العراقي الشهير حاتم الصكر الذي أنجز كتابين لهما أهمية نقدية كبيرة، ولا غنى عنهما للدارسين والباحثين، الكتاب الأول بعنوان «انفجار الصمت» ويناقش راهن الكتابة النسوية في اليمن، والثاني بعنوان «قصيدة النثر في اليمن.. أجيال وأصوات» والعنوان يشرح مضمون الكتاب ويدل على متنه.  
 
 slamy77@gmail.com  

الأكثر مشاركة