هدى أكرم.. الأم المثالية


ترعرعت وسط عائلة محبة للعلم، لذلك تركت طفلتها البكر تحت رعاية والدتها، لتنال شهادتها الجامعية في العلوم، غير أنها سرعان ما تخلت عن حلم «الوظيفة» لتكون زوجة صالحة، وأمّاً مثالية، وربة منزل من الدرجة الأولى، إنها المواطنة الإماراتية هدى أكرم،

 

 الحائزة جائزة الأم المثالية، الممنوحة من قِبل الشيخة فريحة الأحمد الجابر الصباح، في مسابقة الأم المثالية للأسرة المتميزة للسنة الرابعة. وبمساعدة زوجها وسندها الأكبر، تمكّنت أكرم من تربية أطفالها الستة أحسن تربية، ليكونوا أفراداً مثاليين في المجتمع، يجمعون بين الأخلاق الفاضلة، والالتزام بالدين والشريعة، ويسعون إلى العلم والثقافة، ويدركون كيفية التعامل اجتماعياً مع الناس، ليشكلوا أسرة نموذجية، يحتذى بها.

 

العلم والزواج
ولدت هدى أكرم في إمارة دبي، غير أنها ترعرعت وعاشت طفولتها ومراهقتها في الشارقة، وسط عائلتها الكبيرة المكونة من خمسة صبيان وخمس فتيات، وتقول «ربانا والدانا على العلم والأخلاق الطيبة والأدب»، فلم يفرقا يوماً بين الصبي والبنت، مؤكدةً أنهما شجعا الجميع على تحصيل تعليمهم المدرسي والجامعي، لينخرطوا بعدها في مجال العمل الفعلي، ليكونوا أفراداً ناجحين في حياتهم العائلية والمهنية.

 

 وعلى الرغم من زواجها، قررت أكرم إنهاء دراستها الجامعية، بموافقة زوجها، فتقول «دعمني زوجي ورعاني، ووقف إلى جانبي، خصوصاً أنها كانت سنتي الأخيرة لأنال شهادة في العلوم- قسم أحياء وكيمياء، من جامعة الإمارات في العين، فكان له الدور الأكبر في نجاحي»، وكذلك والدتها، التي اهتمت بطفلتها البكر فاطمة، فقد كانت تضطر للإقامة في سكن الجامعة خلال الأسبوع،

 

 لتعود إلى بيتها الزوجي في نهاية الأسبوع. وبعد تخرجها، شعرت الأم المثالية بأنها مقصرة في واجباتها تجاه طفلتها، لذلك جلست في البيت للاهتمام بها، واصفةً الأمومة بالشعور الجميل، لكنها أكدت أن التضحية ضرورة مُلحة تواجهها الأم، وتخرج منها منتصرة ما دامت تعي أن «الحياة أخذ وعطاء»،

 

 إلا أنها لم تبق مكتوفة الأيدي، وتقول «لم أتسلم أي وظيفة، لكنني لم أقف مكتوفة الأيدي، فقد كنت أخضع لدورات وأشارك في محاضرات وتدريبات»، بغية تطوير نفسها وزيادة معلوماتها، كي تكون أماً صالحة، ومدركة لمتطلبات أولادها الستة المتزايدة يوماً بعد يوم،

 

مشيرةً إلى أن المرأة خلقت لتكون أماً ومربيةً صالحة، لا تقع على عاتقها أي مسؤولية، في حين يتوجب على الرجل تأمين كامل حاجياتها، وأطفالها.

 

وتشير أكرم إلى أنها حاولت تربية أطفالها على نهج والديها، غير أن الحياة اختلفت عن السابق، وتؤكد «علينا توجيه أولادنا على الطريق الصحيح، وعدم الوقوع في الأخطاء أو التجارب البشعة»، في زمن قلت فيه القيم، إلا أن النجاح كان حليفها دوماً، والدليل على ذلك نيلها لقب الأم العربية المثالية في مسابقة الأم المثالية للأسرة المتميزة لعام 2008 في الكويت.

 

وتضيف أن التربية في الماضي «كانت أسهل، فالأم كانت تستطيع مراقبة أولادها عن كثب، إلا أن التقنيات الحديثة والتكنولوجية صعبت الأمور مثل الهاتف النقال والإنترنت المزودين بكلمة السر والمرور، فضلاً عن أن الناس كانوا على طبيعتهم، وأكثر طيبة وإنسانية».

 

 التربية الصالحة
اعتمدت أكرم وزوجها أساليب عدة في تربية أولادها، وأبرزها «القدوة المتمثلة في الدرجة الأولى بالرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، والسيدات الفاضلات مثل خديجة وفاطمة ومريم بنت عمران، وبالأب والأم اللذين يلتزمان بالدين ويسيران على درب الأخلاق الحسنة والقيم والمبادئ، والمراقبة الذاتية، والاهتمام بحفظ القرآن الكريم، واداء الصلوات الخمس، فعندما يشاهد الأولاد والديهما يتقيدان بهذه المبادئ، يسيرون على خطاهم.

 

 وترى أكرم، أن الدين هو الأساس الذي يبني عليه المرء منزله في دنياه، كما أنه الرادع الذي يمنعه من ارتكاب المعاصي، وتقول «خلقنا الله في أحسن تقويم، وهو العارف بالخطأ والصواب، لذلك يتوجب علينا تنفيذ وصاياه، كي ننجح ونستحق مسمى (الصالحين)».

 

وتؤكد أكرم أن أولادها لم يرتكبوا أخطاءً كبيرة، وتوضح «ضحيت بالوظيفة من اجلهم، فكانت تربيتهم من أولوياتي في الحياة»، فنظمت حياتهم وأوقاتهم، وعلمتهم كيفية الخروج من العقبات الصغيرة التي واجهتهم، بفضل التربية الصالحة، شارحة بأن العقاب كان الوسيلة الأخيرة، ولا تتحكم في تصرفات أولادها وقراراتهم، لكنها تحاول قدر المستطاع تقديم النصائح ووضع الحدود المسموحة والممنوعة،

 

وتقول «لا ألجأ للقوة أو الاستبداد، بل المرونة»، مؤكدةً أنهم لم ولن يختاروا الطريق الخاطئ، وتعتبر ذلك من رابع المستحيلات، فلا تضرب أحد أولادها بغية تنفيذ أوامرها أو طلباتها، بل بالمحاورة والمناقشة والإقناع. ومن هذه المواقف، تشرح الأم المثالية أن ابنتها فاطمة أرادت دخول جامعة ما، في حين أن والدها رأى جامعة زايد في أبوظبي أفضل، ولأنهما لا يرغبان في الضغط عليها، طلبا منها وضع قائمة بسلبيات وإيجابيات كلتا الجامعتين، ليناقشاها بعدها،

 

وتقول «اقتنعت بأن جامعة زايد أفضل، لأنها تُدخل الطالب في الحياة العملية والتطبيقية، في حين الجامعة الأخرى كلها دراسات نظرية تخرج الطالب كآلة أو كتاب»، مضيفةً أنهما لم يكونا سيسمحا لها بالإقامة بعيداً عنهما، وتشير الأم إلى أن فاطمة الملتزمة دينياً طالبة متفوقة، ترسلها الجامعة في دورات ورحلات إلى الخارج، وتضيف أن أختها ستفعل مثلها، في ما يخص انتسابها إلى الجامعة. 

 

وفي سياق المقابلة، شرحت أكرم، المقيمة في أبوظبي، أنها أتت برفقة زوجها إلى الشارقة، بغية أخذ حماتها معهما، قائلةً إن حب زوجها لوالدته واهتمامه الزائد بها، يحث أولادها على تقدير مكانة الأم وتكريمها، كما تؤكد أن الود والمحبة والألفة هي الروابط بينها وبين حماتها، وتوضح «أشعر بالسعادة البالغة عندما تدعو لي حماتي بالتوفيق»، كما تشيد بتجربة حماتها التي اشتركت في دورة لمحو الأمية، وتنوي الالتحاق بمدرسة لتعليم اللغة الإنجليزية،

 

 مؤكدةً أن العمر لا يشكل عائقاً أمام طالبي المعرفة.   صفات المثالية تمكنت أكرم من نيل لقب الأم المثالية للأسرة المتميزة للسنة الرابعة لعام 2008 في الكويت، وبتواضع أكدت أنها تملك كل المؤهلات لتستحق هذا اللقب، خصوصاً أنها فازت بجائزة الشيخ حمدان بن راشد عن فئة الأسرة المتميزة، ومؤكدةً أنها استوفت كامل المؤهلات والمعايير الأربعة، وهي الشخصية والثقافية، والاجتماعية والأسرية والأخلاقية. وقد ملأت الاستمارة المرسلة إليها، مرفقة بسرد لمسيرة حياتها، على شكل قصة.

 

 «الصبر مع الزوج والأولاد»
 تقول أكرم إنها من أهم الصفات التي يتوجب أن تتميز بها المرأة المتزوجة والأم الصالحة، مشيرةً إلى أن طاعة الولد لا تولد معه، بل يكتسبها بمساعدة والدته الصبورة، وتشرح أن عملية إقناع الطفل بالصواب وإبعاده عن الخطأ، قد تتطلب بعض الوقت، لذلك عادة ما تحاوره وتتكلم معه، وترشده وتعطيه الأمثلة المفيدة، مستعملة «الثواب بدل العقاب، فضلاً عن أن المدح والثناء والتشجيع تحثه على الاختيار الأصح.

 

أما التضحية والسهر على مصلحة الأولاد والأسرة، فهي صفة أساسية تقدمها المرأة في حياتها الأسرية، وقد ردت على الأصوات المستغربة، كونها لم تضح تضحية كبيرة، لذلك ترد عليهم قائلةً «أستحق اللقب لأني ربيت أولادي ليكونوا مثاليين على الأصعدة كافة»، فأولاد آل أكرم مهذبون، ومتدينون، ومثقفون، واجتماعيون، وعلى سبيل المثال يعرفون كيفية استقبال الضيوف في المجالس وتقديم القهوة، وشراء حاجيات المنزل والطبخ..

 


 وتقول الأم الواثقة «قدم ولدي القهوة خلال زيارة لجنة جائزة الشيخ حمدان، ونال إعجابهم لأنه بدا متمرساً وعارفاً ما يفعله وتقول، وكذلك بنتاي اللتان تطبخان دائماً وتعرفان شراء الأقمشة». ومن الصفات أيضاً، تعترف أكرم أن الأم تبذل الكثير من المجهود في حياتها اليومية، غير أنها تنسى تعبها حين ترى عائلتها الناجحة مجتمعة حولها، فهي تحب أن يجلسوا معاً لتناول الطعام، وتقديم حبها وحنانها وعطفها إليهم، لأن الأم كتلة من المشاعر والأحاسيس الجميلة.

 

 من ناحية أخرى، تؤكد أكرم أن الأمهات مثاليات بطبعهن، إلا أن العلم يجعل الأمهات أكثر وعياً وفهماً لمتطلبات العصر، وقادرات على التماشي مع التطورات، وتقول يمكن أن يكون الولد متفوقاً في دراسته، لكنه ضعيف اجتماعياً، والسبب هي الأم، لأن الحياة عادات وتقاليد، وليست دراسة فقط، لذلك تنصح الأمهات برعاية أطفالهن من النواحي كافة، بمساعدة أزواجهن، لأن «الأولاد أمانة».

 

وعن فكرة إقامة جسر للتعاون بين الأمهات العربيات والأجنبيات تقول اكرم «نستطيع تعلم (الاتيكيت) من الغرب، وحبهم للعلم والتقدم، وتحبيذهم للقراءة»، في حين يتعلمون من العرب التكاتف الأسري، والتقارب الاجتماعي.   

تويتر