«حفل التوقيع».. دعاية مباشــــــــــرة أم استجداء للقارئ

 
ظاهرة جديدة نسبياً بدأت تنتشر في العالم العربي، اذ لم تكن من التقاليد الثقافية المكرسة في عقود الالفية الماضية، لكنها تقام بنشاط الآن على هامش معارض الكتب، وهي حفلات توقيع الكتب الجديدة، أحيانا لمؤلف معروف وأحيانا أخرى لمؤلف مغمور.
وبطلب من المؤلف أو من دار النشر، لا فرق. فكيف ينظر الكتاب إلى تلك الحفلات، وهل تسهم في التعريف بالكتاب والكاتب، كما ترى أغلبية الآراء التي وقفنا عليها، أم أنها ليست سوى دعاية مباشرة، أو حفلة يضطر الكاتب خلالها إلى استجداء القارئ، وهل يبادر الجمهور إلى حضور حفلة من هذا النوع، إن لم يكن المؤلف معروفاً؟ يرى الكاتب نجيب الشامسي أن الكاتب الجاد في الوطن العربي لا حضور له، مبينا أن الإقبال ينحصر على كتب الطبخ والكتب الدينية.
 
وقال: «الكاتب الجاد يبحث عن قارئ جاد يهديه كتابه، وإذا كان الكاتب يسعد بصدور كتاب جديد له، فانه يسعد أكثر عندما يجد القارئ الجاد، وفي حفلات التوقيع يتلمس الكاتب وجود ذلك القارئ». مشيرا إلى أن المؤسسات الثقافية والإعلامية تخلت عن المبدع، مؤكدا أن دعوات تلك المؤسسات إلى الندوات والمناسبات، تقتصر على أسماء بعينها، ونادرا ما تستدعي كتابا جادين، وأضاف «في السبعينات من القرن الماضي كان الكاتب المحلي يجد دعما من المؤسسات الثقافية والإعلامية، أما الآن، فينصب التركيز على الأسماء الإعلامية، أو المعروفة، والقريبة من الإعلام، فلا تنظم حفلات توقيع ولا تعلن عن إنتاج الكاتب في وسائل الإعلام».
 
مشيرا إلى أن الصحافة تعمل على تمجيد تلك الأسماء، في إطار الخدمات والمصالح المتبادلة، وهي لعبة مكشوفة تماما، كما يصفها. وأضاف «أصبحت القاعدة، إذا أردت أن تكون كاتبا معروفا، عليك أن تجد سبيلا لإقامة علاقات مع الصحافة والإعلام». 
 
 وأشار الشامسي إلى أن الإمارات تمتاز بكثرة الجوائز، إلا أن أكثر الفائزين المكرمين من خارجها، وقال «يشعر الكاتب الإماراتي بأنه مهمش، حتى الأدباء العرب الذين تركوا بصمة واضحة في الصحافة والإعلام المحلي وفي حقول أخرى، تخطتهم الجوائز، وجافاهم التكريم». مؤكدا أنه مع حفل التوقيع الذي يحفظ للكاتب كرامته، وبعيدا من استجداء الناس لقراءة كتابه، وكأنه  يبيع سلعة فاسدة. أما الكاتب ومدير التراث والثقافة بدائرة الإعلام والثقافة في الشارقة، عبدالعزيز المسلم، فأكد أهمية حفل التوقيع، مبينا أنه تقليد له وهج خاص، خصوصا في أوروبا التي سبقت إليه وتحتفي به بفرح، مشيرا إلى ضرورة تبني دار النشر الترتيب لحفل التوقيع حفاظا على مشاعر المؤلف، إلى جانب تفعيل اهتمام وسائل الإعلام بتغطية مثل هذا الحدث، خصوصا الإصدارات المميزة في موضوعاتها.
 
 وقال: «يتميز حفل التوقيع بخصوصية ووهج سواء للكاتب صاحب التجربة، أو لصاحب أول إصدار»، مؤكدا أن الاهتمام الإعلامي بمحتوى الكتاب يساعد في انتشاره. وأشار المسلم إلى أن عددا من الكتاب لا يبادر إلى تنظيم حفل توقيع ويكتفي بإهداء إصداراته للمقربين والأصدقاء. وأضاف «الاهتمام بالكتاب ونشره وتسويقه، والتعريف به، مسؤولية دور النشر والمؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام، على اعتبار أن الثقافة مسؤولية تلك الجهات».
 
إضافة معنوية
أما الشاعرة الهنوف محمد، فترى بأن حفلة التوقيع هي تتويج لجهود المؤلف، وهي إضافة معنوية، أكثر منها مادية، وقالت: «أعتقد أن الجمهور هو المسؤول عن سبب مشكلة تهميش الكاتب في الوطن العربي، لأنه لا يتتبع الإصدارات الجديدة، وغير مهتم بالإنتاج الأدبي والفكري، وبالتالي، لا يقبل على شراء الكتاب، ولا يهتم لحفلات التوقيع». مشيرة إلى أن ظهور برامج تلفزيونية ومسابقات أدبية.
في الفترة الأخيرة، مثل برنامج «شاعر المليون»، وبرنامج «أمير الشعراء»، أسهمت في زيادة عدد المتتبعين والمهتمين، مبينة أن الشعر الفصيح، سيجد جمهوره، كما الشعر النبطي، وأضافت «هناك إقبال لافت على متابعة الشعر العربي الفصيح، حتى أن عددا من شركات الإنتاج باتت تبادر إلى تسجيل قصائد لعدد من الشعراء، وهذا لم يكن متاحا في السابق».

دعاية مباشرة
ويرى الشاعر عمر أبو سالم، أن الكتاب في مضمونه، وليس بما يحمله من عنوان على غلافه، مؤكدا أن الكتاب الجيد يفرض نفسه عند قراءته، مشيرا إلى أن مناسبة توقيع الكتاب، ليست جديدة، خصوصا أثناء معارض الكتب.
 
وهي كما يرى مناسبة للترويج، بغض النظر عن المحتوى، وقال: «حضرت في معرض الكتاب الكثير من حفلات التوقيع التي لم تكن أكثر من طقس دعائي مباشر، لست معنيا به». مشيرا إلى أهمية الترويج الذي يساعد في نشر الكتاب، ولفت اهتمام القارئ إليه، إلى جانب أهمية دور الإعلام، باعتبار أن له سطوة على كل ما يهم القارئ، موضحا أنه لم يسبق وأن أقام مثل تلك الحفلات. شكل جديد أما الشاعر إبراهيم الملا، والذي أصدر ديوانه الثاني.
 
 فيرى أن حفل التوقيع يلقي الضوء على المنتج الجديد، متمنيا أن تتحول تلك الحفلات إلى فعل تواصل حضاري بين الكاتب والقارئ ووسائل الإعلام، وقال: «لحفلات التوقيع أهمية معنوية وعملية في الترويج للكتاب، إذا خرجت من شكلها التقليدي، وتحولت إلى مناسبة ايجابية يتفاعل فيها الكاتب من خلال ندوة أو لقاء وحوار مفتوح بين الكاتب والقارئ ووسائل الإعلام، ما يؤدي إلى تعزيز العلاقة والتواصل». مشيرا إلى أن الكتاب منتج يختلف عن غيره من المنتجات، وعملية تسويقه تتطلب الكثير من الجهد.

التوقيع بمقابل
ويرى الشاعر عبدالله محمد السبيب، أن الحفلة تتيح للكاتب ولدار النشر فرصة التعريف بالكتاب، وهي أيضا فرصة مهمة للكاتب الجديد، خصوصا في معارض الكتب، وقال: «تتيح حفلات التوقيع التي تنظم في أماكن مثل المعارض، والفعاليات الثقافية، فرصة حضور عدد كبير من المثقفين والمهتمين، وتسهم في التعريف بالكاتب وبالكتاب». مبينا أنه يفضل أن يكون الكتاب الموقع بمقابل مادي، في خطوة تشجع الكاتب، وتدعم الكاتب، مستثنيا من ذلك الصحافيين.

 لا تضر
 كذلك يرى الروائي الشاب سلطان إسماعيل الزعابي، أن الحفلة مناسبة جيدة لتقديم كاتب غير المعروف، والترويج للكتاب، وقال: «الكاتب المبتدئ يواجه صعوبة في التعريف بنفسه وبإنتاجه، لذلك تتيح حفلات التوقيع، إذا حضرها أدباء وحظيت بتغطية إعلامية، فرصة مهمة للكاتب، ولإنتاجه، وتعزز من مكانته المعنوية على الأقل، وتسهم في تعريف القارئ بالمنتج الجديد»، واصفا حفلات التوقيع بأنها إذا لم تنفع، فهي لن تضر.
 

الأكثر مشاركة