احتفاء بصاحب «نهضـة مصـر»


عرضت حياة النحات  محمود مختار صاحب «نهضة مصر» في ندوة احتفالية خاصة، عرض فيها فيلم وثائقي تحت عنوان «مختار مصر» أخرجه محمود إبراهيم، بدعم من وزارة الثقافة بتكليف من وزير الثقافة المصري فاروق حسني وشارك فيه نخبة من الفنانين من بينهم سوسن بدر، وأحمد ماهر، وصبري عبدالمنعم، وهادي خفاجي. واستعرض الفيلم على مدى 33 دقيقة أعمال مختار التي ارتبطت بالأحداث والرموز القومية في العقود الثلاثة الأولى من القرن 20 والتي دفعت الشعب المصري إلى الاكتتاب لتنفيذ التمثال الشهير «نهضة مصر» ليصبح رمزاً لكفاح هذا الشعب، كما أقيمت احتفالية كبيرة حملت عنوان «الفنان مختار والهوية المصرية» شارك فيها الناقدان د. صبحي الشاروني ود. عزالدين نجيب والفنان محمود إبراهيم.

 

ولد مختار في قرية «طنبارة» بالمحلة الكبرى، في 10 مايو عام 1891، والده «الشيخ إبراهيم العيسوي» عمدة القرية الذي توفيت زوجته الأولى أم أبنائه، فتزوج والدة مختار، وأنجب منها  محمود وبنتين، ثم لم تلبث الخلافات أن نشبت بينها وبين الأبناء فانفصلت عن والده وانتقلت مع أولادها لتعيش مع أسرتها في قرية «نشا» بالمنصورة وهناك دخل مختار الصبي الكتاب كأبناء الفلاحين، تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن وقضى معظم وقته يصنع من طين الترعة تماثيل تصور بعض المشاهد التي يراها في قريته لكن أمه ما لبثت أن انتقلت للقاهرة للعلاج، فأصر مختار على مرافقتها فأقام في حي «درب الجماميز» جنوب القاهرة.

 

وفي عام 1908 أنشأ الأمير يوسف كمال أول مدرسة للفنون الجميلة في  الحي ذاته فالتحق بها بمختار، وكان  مقرباً من «المسيو لابلاني» ناظر المدرسة لتكتمل بلورة شخصية مختار الفنية وفي عام 1910 قبض عليه مع عدد من المتظاهرين في التظاهرات المطالبة بالاستقلال واشتبك مع عساكر الإنجليز ما أدى إلى فصله و15 طالباً من  المدرسة. لكن مختار وزملاءه لم يستسلموا فقاموا بافتتاح مرسم خاص بجوار المدرسة يعرضون فيه أعمالهم، حتى تغيرت الأوضاع ودخلت المدرسة تحت إشراف وزارة المعارف وألغي قرار الفصل ليعودوا إلى الانتظام في الدراسة.

ظهر نبوغ مختار بوضوح في المعرض الأول الذي أقيم لأعمال الطلبة، ما جعل الأمير يوسف كمال يقرر إرسال مختار في بعثة دراسية إلى باريس ويتولى الإنفاق عليه عام 1911، وبالفعل التحق مختار بمدرسة الفنون الجميلة الفرنسية مع أكثر من 100 متقدم جاءوا من فرنسا ومن سائر أنحاء الأرض، لكن مختار فاز عليهم جميعاً، وجاء ترتيبه الأول.

 

في عام 1913 تقدم للمعرض السنوي للفنانين الفرنسيين «صالون باريس» بتمثال يصور شخصية «عايدة» بطلة أوبرا «فيردي» الشهيرة، وقد أثار هذا التمثال اهتمام جمهور المعرض وعدد كبير من النقاد آنذاك، حتى أن الصحف خصصت له مساحات جيدة ونادرة لفنان عربي. ورغم الاهتمام الكبير والتسهيلات التي وجدها مختار في العاصمة الفرنسية قرر مختار العودة الى مصر وكان في 22 من  العمر، وفي مصر عرض عليه العمل كناظر لمدرسة الفنون الجميلة المصرية، مكان أستاذه الفرنسي (لابلاني) الذي قرر العودة إلى وطنه، لكن مختار يرفض مبرراً رفضه بأنه لايزال في بداية الطريق، ولايرغب أن تعوقه قيود المناصب، وعاد إلى باريس ثانية.

 

وبعد سنوات التقى مصادفة أستاذه «لابلاني» فدعاه ليحل مكانه في إدارة «متحف غريفين» للتماثيل الشمعية بباريس، بعد أن بلغ سن التقاعد. واستمر مختار في هذا العمل طوال عامي 1918 و1919، عمل خلالها العديد من تماثيل الشمع. حتى جاءته فكرة تمثال نهضة مصر في عام 1917 فانصرف في سنتي 1918 ـ 1919 إلى صنع تمثال كبير يبلغ حجمه نصف حجم التمثال الحالي وعندما أكمل عرضه في عام 1920 في معرض الفنون الجميلة السنوي في باريس وأعجب به المحكمون وعندما ذهب سعد زغلول ومعه بعض رجال الوفد إلى باريس للمرة الأولى زاروا معرض الفنون الجميلة، ورأوا التمثال وأعجبوا به وكتبوا إلى مصر يشجعون على إقامته في القاهرة ووافق مجلس الوزراء في 25 يونيو سنة .1921 وأسهم الشعب في اكتتاب عام لإقامته، ثم أكملت الحكومة النفقات وصنع التمثال من حجر الغرانيت.

 

 وفي الثاني من مايو عام 1928 أقيمت حفلة كبرى في ميدان باب الحديد (رمسيس) لإزاحة الستار عن التمثال، ثم نقل التمثال من مكانه الأول إلى ميدان  جامعة القاهرة في عام .1955 رحل مختار عن دنيانا فى 17 مارس 1934 بعد أن عاش 43 سنة، نحاتاً عبقريأ، مفكراً في قضايا وهموم مصر ، معبراً عن  أحلام شعبه   بتماثيله.
تويتر