نصر حامد أبو زيد: الثقافة نشاط جوهره الحرية

 

يحاضر المفكر المصري نصر حامد أبو زيد، في أول مايو المقبل، مفتتحاً «مهرجان الربيع» الذي يقام بدعوة من جمعية شمس ومؤسسة المورد الثقافي، وتجري أنشطته، التي تتوزع بين محاضرات ومسرح ورقص وغناء وموسيقى، في مركز «دوار الشمس» ببيروت.

 

محاضرة أبو زيد تحمل عنواناً هو «الفن وخطاب التحريم»، أي تقع على الخط الأحمر الذي يقف أمامه، بل يدعو إلى تخطيه، صاحب المواقف الجريئة، والدعوات إلى التغيير وحرية التعبير.

وحول تحريم الفن ومواقفه من قضايا فنية، لا سيما فيلم «فتنة» وقضايا فكرية تتعلق بالتيارات الإسلامية والإرهاب وموقف الغرب منها، وعلاقة  الاسلام  بالفن قال أبو زيد الذي يضع حدود الفن هم الفنانون، لأن الخلاف الذي يطرح حول الفن، هو خلاف حول القيم الاخلاقية، يعني إلى أي حد مسموح للفن أن يتجاوز حدود القيم الاخلاقية السائدة في المجتمع؟ يجب أن نفصل بين القيم الأخلاقية السائدة في المجتمع وبين الدين، الثقافة نشاط جوهره الحرية، والفن هو التعبير الذي يتحرر من القواعد المعيارية للغة، حركة الجسد، علاقة الجسد بالجاذبية، الأبعاد المعيارية للحجر، الفن يحول الحجر إلى شيء ثانٍ. يحول الجسم البشري بحركته الى حركة ثانية، حركة ذات أبعاد جمالية، فن اللغة، لغة الادب والشعر، تعطي الحياة أبعاداً أخرى.

 

لكن دائما كل فن يمر بمرحلة توضع له فيها قواعد، وهذا ما يطلق عليه المدارس الأدبية. هذه القواعد نوع من تقعيد حرية الفن. وهي تتحول إلى معوق لهذه الحرية، فتنشأ مدرسة جديدة. الفن هو سيرورة الحرية والتحرر من قواعد مختلفة، من ضمنها القواعد الاخلاقية التي يفرضها المجتمع.

 

 «فتنة»

وحول المعيار الذي يضع فيه ابو زيد فيلم «فتنة» للنائب الهولندي جيرت فيلديرز«الحرية في الفن، أم الصراع الغربي ضد الاسلام» قال أنا لا أستطيع أن أضع فيلم «فتنة» في إطار الفن. أولاً، كفيلم، هو قصير جداً، كله مشاهد متقطعة، يركز فيها على مشاهد القتل، ليقول هذا هو القرآن. الفيلم يتضمن رسالة مباشرة، خطبة وإن كانت بلغة الصورة. هو مثل الاعلان، هدفه إعلاني وإقناعي. هو استخدام تجاري للفن، ويمكن أن يكون استخداماً للفن في إطار معركة سياسية.

 

وأضاف ابو زيد «دخلت في حوار مع منتج هذا الفيلم،  قبل أن يفكر في عمل هذا الفيلم، وأكدت أن «المطابقة بين الارهاب والاسلام هي تبنٍّ لوجهة نظر الارهابيين عن الاسلام، بمعنى أن أي أحد يقول هذا هو الاسلام يؤيد وجهة نظر الارهابيين في تفسيرهم للقرآن ونظرتهم الى الآخر. بمعنى آخر لا إمكان لأن ترى هذا الارهاب إلا ظاهرة لها ظروفها وملابساتها وسياقها، وهي ليست موجودة منذ الأزل، ومنذ ظهور الاسلام. هذا عدم إدراك لتاريخ الإسلام، ولتعدد المجتمعات الاسلامية، لا يمكن اختصاره سواء تاريخياً ولا جغرافياً، لا يمكن اختصار الإسلام كتاريخ ودين وفلسفة هكذا. هذا نوع من التبسيط، يخدم أبعاداً ايديولوجية ضارة بالمجتمع الاوروبي نفسه، لأن المسلمين في أوروبا أصبحوا جزءاً منها». واستطرد ابو زيد «استطاع النظام الدولي استخدام محاربة الارهاب كمدخل أو مبرر لمشروع سياسي استعماري واقتصادي. لم يعد خافياً أن هذا هو المشروع الاميركي في الشرق الاوسط الجديد وهو يجمع، الى جانب القوى العسكرية، القوى الاقتصادية أيضاً. هذا كلام المحللين السياسيين داخل المؤسسة الاميركية نفسها. الشرق الاوسط الجديد كمفهوم، دمقرطة الشرق الأوسط، ما يحدث في لبنان، ما يحدث في العالم العربي، كل ذلك يضعنا إزاء مشروع يتداخل فيه توظيف ايديولوجيات متعددة، منها الايديولوجيا الدينية. نحن نحتاج إلى تحليل هذه الظاهرة، فالقول إن أميركا ضد الاسلام يمثل تبسيطاً لطبيعة المشروع الاميركي، الذي يراد لهذه المنطقة، وأن مكافحة الارهاب جزء من هذا المشروع. نحن نحتاج الى خطاب نقدي، لا يكتفي بنقد الآخر، بل يتعداه إلى النقد الذاتي ايضاً.

 

 وعن الآليات التي يراها مناسبة لتحويل الخطاب النقدي النخبوي الى خطاب شعبي وواضح للجميع أضاف ابو زيد «عندما أتكلم على التلفاز لا أستخدم الخطاب النخبوي، فنوعية الخطاب تختلف بين وسيلة إعلامية وأخرى. إن مقالة لجريدة لابد يختلف الخطاب فيها عنه في كتاب.

 

 

في حديث التلفاز أستخدم لغة مختلفة، لغة تبسيطية، فنحن لا نتنازل عن الأفكار إن قلناها بلغة سهلة، شرط أن لا نغير المعنى المراد. إنها معادلة صعبة معقدة جداً أن تقول الكلام نفسه والمضمون نفسه بلغة تصل بها الى الجمهور، أعتقد أنني، إلى حد ما، نجحت في أن أقول الأفكار المعقدة بلغة سهلة، من دون أن تفقد عمقها، يجب أن يستعد الناقد إلى أن أفكاره قد ترفض وقد تقبل. يجب أن يتصف بالتواضع. فهو شخص من هذه الأمة ربما أكثر تعلماً وعلماً، لكنه ليس من طينة أخرى».

 

وأبدى أبو زيد رغبته في ان ينشئ بعض المثقفين العرب مؤسسات ثقافية، لكن من دون أن يجتمعوا حول ايديولوجيا يقسمون عليها، كأيديولوجيا الحزب.«أتمنى أن يكون عندنا انقسام في الفكر الثقافي بين علمانية لا تستبعد الدين وفكر ديني لا يستبعد العلمانية، أن نتكلم على مشروع علماني عقلاني منفتح، (لأن العلمانية قد تكون إيديولوجيا) بمعنى أن العلمانية لا ترفض الدين كاحتياج إنساني، وإن كان من حقها أن تنتقد الدين وتقوم بتحليل تاريخي له. نحن نحتاج إلى مثل هذه المصالحة بين العلمانية المنفتحة وتقبل الدين كاحتياج إنساني.

 

وأوضح ابو زيد أنه في العالم العربي، هناك معوقات كبيرة، بسبب التلاعب بين السلطة السياسية والفرق الاسلامية، وأيضاً مشكلة الصراع العربي الاسرائيلي التي تغذي بشكل غير مباشر النزعة الأصولية، عندما يطرح الاسلام بأنه الشكل الوحيد للكفاح ضد الصهيونية. هذه مشكلة تحتاج من التيار الفكر النقدي أن لا يتردد في اقتحامها، يعني أن نقد الفكر النضالي الديني الذي يختصر نضال أمة بشعارات دينية، يجب أن يكون أحد مهام الفكر النقدي، رغم كل الصعوبات. «مثلاً حماس، ممكن أن يتم نقدها، كان من الافضل أن يظلوا في المعارضة، لأنهم غير مؤهلين للحكم، فخطابهم ،ليس سياسياً. يجب أن يتحلى المثقف النقدي بالشجاعة. المثقف النقدي مع النضال دون شك ـ أنا مع النضال ضد العدو ـ لكن أنظر أن هذا النضال هم قومي، وليس هماً دينيا».

*تنشر بالتزامن مع صحيفة «السفير» لبنان

الأكثر مشاركة