من المجالس

  
سحب الغذاء الأضواء عن السلاح النووي، وصار هو القنبلة التي تهدد الإنسان.. ليس في أمنه فقط، وإنما في وجوده، وكأنما كانت فجأة، التفت العالم إلى بطنه ليجد أن التهديد الأول يأتي من هذا البطن، وأن أي قنابل أو أسلحة مدمرة لم تكن سوى أدوات في يد السلاح الاستراتيجي الكبير وهو الغذاء.

 

ومن باب حُسن الظن  بهذا العالم المقلوبة موازينه، ربما يتجه التفكير إلى التفاؤل على أساس أن «رُب ضارة نافعة»، فيكون الشحّ في الغذاء على مستوى العالم دافعاً للدول الجائعة كما «للشبعانة» أن تفكر في توجيه جهودها وطاقاتها وأموالها للاستثمار في الزراعة وتطوير وسائل إنتاج الغذاء، بدلاً من التهافت على إنتاج وشراء الأسلحة المدمرة. ولكن حسن الظن هذا يكون ضرباً من السذاجة والسطحية إذا تعلق الأمر بشهوة الهيمنة والنفوذ، التي تسود المجتمع البشري، في مستواه العام، أو داخل مجتمعاته المحلية.

 

فبدلاً من الاشتراك في الهم والاتجاه لتشجيع الفعل الجماعي لعلاج مشكلة نقص الغذاء ومواجهة أخطار الجوع، فإن هذه المشكلة وذلك الخطر ربما كانا دافعاً جديداً لدى الدول الأقوى اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً للإيغال في استخدام لغة الحرب ومبادئ القوة للاستئثار بالنصيب الأكبر من غذاء العالم، وإن مات سائر الجسد العالمي من الجوع. فأزمة نقص الغذاء، وليس ارتفاع أسعاره فقط، مرشحة لأن تفتح باب حقبة زمنية جديدة يكون فيها الصراع على الغذاء بدلاً من الصراع على الثراء والموارد الطبيعية والرقع الجغرافية الاستراتيجية. وقد جاء الغذاء من الخلف متقدماً على عوامل أخرى، كالمياه، ليشير إلى أن البشرية مهما امتدت بأبصارها وخيالها إلى الفضاء وما ورائه، فإنها محكومة بأوامر من بطونها، ومتوقفة على اتجاه مزاج هذه البطون، فإن اكتفت تركت مجالاً للذهاب إلى الأبعد، وإن تألمت ضاقت معها كل الآفاق فيصبح على كل الجوارح والعقول أن تفكر في إسكات هذا الألم.

 

وفي ذلك لم يعد هناك فرق بين الأغنياء الذين يملكون الأموال، والفقراء الذين لا أموال لهم، لأن الكارثة هذه المرة، على حد رأي منظمة الغذاء العالمية «الفاو»، ستكون على من يملك المال ولا يجد من يبيع له الغذاء.   

الأكثر مشاركة