أقول لكم

          
التـقيته في ركن قـصي بأحد المقاهي المشهورة، تذكرته، فقد كان أشهر من نار على علم، صوره تزيّن الصحف يومياً، واحدة في الاقتصاد بصفته رئيساً لمجلس إدارة شركة مساهمة عامة في العقارات، والأخرى في الرياضة، حيث يتولى إدارة أحد الأندية أو فرقها، والثالثة في الصفحات المحلية يتحدث عن القطاع الخدمي الذي يترأسـه، والرابعة والخامسة إلى العاشرة في المجالات الأخرى، فهو كان، في يوم من الأيام، مسؤولاً عن عشر مهامّ كبيرة، حتى قيل إنه عبقري في شؤون الإدارة والإشراف والتنظيم، واليوم هو لا يعمل. 

 

كيف يكون ذلك؟ خبرة وطاقة وعلم وكفاءة وثقة دون حدود، والنتيجة تنقّل ما بين مقهى وآخر، وممارسة بعض الرياضة، ووقت إضافي للسـينما، وإعادة تعارف بالناس والمجتمع وأصدقاء الطفولة، وغير مطلوب منه أن يوجد في مكان عمله الوحيد الذي بقي له حتى لا ينقطع رزقه، فهو يحمل اسـماً وهمياً، لا أدري هل هو مستشار أم خبير؟ كل ما عرفته أن مكتبه ملاصق للأرشيف ومخازن الملفات والمواد المستهلكة، متى أراد أن يغادره لا يسـأله أحد، وإن لم يدخله شهراً لم يفتـقـده أحد. 

 

كيف يكون ذلك؟ أردت أن أسـأله، ولكنني خشيت من الإحراج، إحراجه وإحراج نفسي، ودار بي الفكر يميناً وشمالاً، وقلّبت الأحداث والوقائع رأساً على عقب، وعدت أسأل نفسي من جديد: كيف يكون الإنسان نجماً سـاطعاً في لحظة، وكيف يخبو نوره في لحظة أيضاً؟ ومرت أمامي مقولات سمعناها كثيراً حول قدرة الشخص الواحد على القيام بأكثر من عمل، وفي أكثر من مجال، حتى يظن الناس أنه فعلاً رجل خارق، لديه ملكات إبداعية قلما تتوافر في اثنين بمدينة واحدة، ولهذا نرى في كل زمان شخصاً تتركز عليه العيون، وتدق له طبول الدعاية والإطراء، يتسـلم مسؤوليات تلو مسؤوليات، ويتضخم، ثم يتضخم، ثم وكأنه «بالون» شـك بدبوس، «يتنفس» فإذا بالهواء الذي كان يشكل ذلك العملاق يتسرب، فينكمش حتى يتجعـد، ويبحث عن ركن، كما هذا الركن البعيد في مقهى مشهور، ليتذكر أنه كان محل ثقة، فأصبح ضحية ثقـة أيضاً. 

myousef_1@yahoo.com  

الأكثر مشاركة