تعدّدت المعاني و«دبي» واحدة
هي امرأة قوية وشجاعة ومتماسكة، تمكنت من رد المغيرين وهجوم قطّاع الطرق والقراصنة، دفاعاً عن أرضها وسلامة قومها، بعد أن مات أبوها ورجال عشيرتها، بسبب جثة موبوءة، لتكون رمزاً ومثالاً يحتذى به، كما أنها سوق من أسواق العرب، الموجودة على الأطراف الشمالية لمنطقة عمان، والمطلة على الخليج العربي، ما يدل على أنها مزدهرة تجارياً، فضلاً عن أنها الجرادة الصغيرة قبل أن تنبت أجنحتها وتطير، هي أيضاً الخير والكثرة.
جميع هذه الكلمات والمعاني جزء من التفسيرات الكثيرة لمعنى اسم «دبي» التي أمست قبلة للعالم. وتحت عنوان «دبي تسمية وموقعاً»، ألقى المستشار الثقافي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس الوزراء حاكم دبي، إبراهيم بوملحة محاضرة في مقر «ندوة الثقافة والعلوم» عرض فيها دراسته الموسعة عن أصل اسم دبي واشتقاقاته اللغوية، وموقعها الجغرافي والتاريخي، فضلا عن «الأقاويل الشعبية حول «دبي» القديمة».
في البداية، أعلن بوملحة أن بحثه ودراسته حول مسمّى إمارة دبي جاء بعد الكثير من التساؤلات والاستنتاجات، في ظل غياب المراجع الموثّقة عن المعنى اللغوي والوصفي لها، وموقعها الحالي، ووجود «المرويات» الأقرب إلى الأقاويل الشعبية من البحوث العلمية، وقال «أردت معرفة إذا ما كان الوصف والمكان اسماً على مسمى أم أنها تغيرت مع مرور الوقت»، مقسماً دراسته إلى ثلاثة أقسام، ألا وهي، المراجع اللغوية القديمة، المراجع التاريخية ومكانها، والروايات الشعبية.
المراجع اللغوية
أما المرجع الثاني «ياقوت الحموي»، فلم يذكر «دُبَي»، الكلمة المعتمدة، بل دَبَى كسوق من أسواق العرب، في حين ذكر معجم «مستعجم» كلمة «دُبِي» معرفاً إياها بالموقع الواسع فقط، وكذلك فعل «العمران في المستدرك» قائلاً جاء بدبى دُبِيّ أي بمثل هذا الموقع الواسع. وفي معجم «أقرب الموارد» عام 1889، عرف الدَبَى الجراد قبل أن يكبر، والمشي الروي، ودُبَيّ كموضع ليّن بالدهناء يألفه الجراد، وأشار مؤلف «قطر المحيط» دَبَى كونها كلمة يائية حتى ولو لفظت بالألف، واصفاً إياها بالجراد والنمل الصغير، والمشي الروي، وأوضح بوملحة «أن مؤلف المرجع السابق ذكر في معجمه اللاحق (محيط المحيط) المعاني ذاتها»، وأضاف إليها لفظة «دُبَي» بمعنى الموضع الواسع.
وسوق من أسواق العرب هو معنى دبي في معجم (تاج العروس)، ودَبِيّ بالأوصاف ذاتها غير أنه زاد إضافة مهمة وهي الخير والكثرة، قائلاً جاء بمال ذاك الموضع الواسع أي موضع الخير، وكذلك فعل معجم (البستان) المطبوع عام .1927 وفي تحليله للمعاني المذكورة، قال بوملحة إن المعاجم كلها اتفقت في بيان معنى الدبى أي الجراد الصغير قبل أن يطير أو النمل، في حين أضافت بعضها المشي الروي، مشدداً على أن مراجع معينة حددت كلمة دُبَيّ باللفظ والحركات، بما يتفق مع تسميتها الحالية، كما أنها عرفتها بأنها موضع واسع لين بالدهناء يألفه الجراد.
ويرى بوملحة أن بعض المعاني قد تكون صحيحة مثل دبى التي تعني الخير والنعمة، في إشارة إلى الازدهار الاقتصادي والبحبوحة التي تعيشها الإمارة. ومن الناحية الجغرافيا، أوضح المستشار الثقافي أن النصوص أوردت دبي «موقع» أي مكان، و«لين بالدهناء» وهما وصفان، مفسراً بأن الدهناء تعني لغة الصحراء ذات الرمل الأصفر، وعن كونها سوقاً من أسواق العرب فلأنها مركز يستقطب رؤوس الأموال في منطقة الخليج والعالم.
أهل البحر
من ناحية أخرى، أوضح بوملحة «أن الدهناء تعني السعة واللين، قائلاً إنها دلالة على نعومة الحياة ورفاهيتها، فضلاً عن أن المناطق الثلاث التي ذكرت موجودة داخل الصحراء، في حين أن «دبي» واقعة على البحر، حيث التجارة عامرة بفضل قوافل السفن المقبلة والمغادرة، شارحاً «أن التجارة المزدهرة حالياً في «دبي» لا بد أن تكون كذلك في العصور القديمة»، مشدداً على أن أهل البحر أكثر قدرة على التعامل مع الآخرين من أهل البادية.
وروى بوملحة على لسان أحد الرواة الشعبيين عن وجود مخطوطة قديمة كتب فيها تاريخ إنشاء «دبي» وأصل اسمها والقبائل التي عاشت فيها، خصوصاً أن الراوي سمى اسم محمد بن أحمد بن دلموش الذي طلب من أحد الشعراء إضافة أخبارهم، غير أن المخطوطة ضاعت ولم يعرف عنها شيء.
أما منطقة الوصل وجنوب جميرا، فقد كانت دبي القديمة، وفقاً لراوٍ آخر، تسكنها قبيلة كبيرة، ويضيف بوملحة، أن ناسها كانوا يقضون شتاءها في الصفا وصيفها في الوصل، كما أن النسوة كن يسافرن إلى منطقة العين.
ومن حكايات هذا الراوي، يشير المستشار الثقافي إلى وجود قلعة كبيرة في منطقة الوصل حيث يخبئ أهل القبيلة أسلحتهم، قائلاً كانوا يأخذون أسلحتهم ويركبون سفنهم كلما شاهدوا سفناً غائرة وعدوة، والتي غالباً ما تكون قادمة من بلاد فارس، وقد كانوا يسمون السفن القادمة إلى شاطئ دبي «الطوالع»، و«الطلايع» المغادرة.
وفي إحدى المرات، شاهدوا سفينة في وسط البحر، فجهزوا أنفسهم لقهرها، لاعتقادهم بأنها مغيرة، غير أنهم اكتشفوا أنها خالية وتحوي جثة رجل ميت، ويقول بوملحة، نقلاً عن الراوي، إن رجال القبيلة أخذوا الجثة وأحرقوها، لكن المشكلة ظهرت حين مرضوا وماتوا، وأشار بوملحة إلى «أن مرضاً شبيهاً بالطاعون أصابهم بسبب الجثة، ما أدى إلى خلو منطقة الوصل من رجالها».
وفي سياق مشابه، ذكر راوٍ ثالث، وهو أحمد خليف السويدي، مواطن من ديرة، «أن هذه المرأة المدعوة دبي كانت تتمتع بصفات القوة والشجاعة والسلطة، بحيث ردت الكثير من قطاع الطرق والقراصنة.
قصص كثيرة وروايات عدة، تختلف في بعض التفاصيل، وتتفق في أخرى، غير أن الجميع يؤكدون وجود حضارة وتاريخ قديم يؤرخ حضور دبي في العصور القديمة، ما يجعل حاضرهاً امتداداً لمنطقة حفلت بالكثير من التغيرات الإيجابية.
|
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news