فجّرت الأزمة التي أثارتها شبكة «ايه.بي.سي» الأميركية لمضمون المواعظ التي ألقاها القس جيرميا رايت، المرشد الروحي السابق للمرشح الرئاسي باراك أوباما، ردود أفعال حادة في الشارع السياسي الأميركي، بعضها من دوائر يهودية، وأخرى من أوساط جمهورية حدت بأوباما للتبرؤ من آراء رايت، ثم التخلي عنه نهائيا، في محاولة غير محسومة النتائج للتقدم في المعركة الانتخابية. فطبقاً للتغطيات الإعلامية الأميركية تبنى رايت ـ الذي كان قس أوباما لأكثر من 20عاما، وراعي زيجته الدينية من ميتشيل، والقائم على تعميد ابنيهما ـ اراء راديكالية ضد البيض والتفرقة العنصرية، ومؤيدة للاهوت التحرير الذي خرج من أميركا اللاتينية وتتبناه كنائس أميركية سوداء، كما تبنى أيضا وجهات نظر معادية للخط الأميركي الرسمي بدءاً من حرب فيتنام، والدعم الأميركي لإسرائيل، وغزو العراق. فقد قال رايت في موعظة ألقاها في كنيسة التثليث الموحدة، طبقاً لما نشرته «ايه.بي.سي»: «أميركا لاتزال هي القاتل رقم واحد في العالم. نحن الأميركيون مصدرو البنادق الأول في العالم، ومدربو القتلة المحترفين في كل شبر على المعمورة. نحن الذين قصفنا كمبوديا، والعراق، ونيكاراغوا، وقتلنا النساء والأطفال، ووضعنا نيلسون مانديلا في السجن، وساندنا العنصرية لمدة 72 عاما في جنوب إفريقيا. أميركا هي الإيمان بالتفوق العنصري الأبيض، وبانحطاط السود، وهي تؤمن بذلك أكثر من إيمانها بالله عز وجل».
وقال رايت في تسجيل آخر: «دعمنا الصهيونية بلا خجل، ونعتنا كل من اختلف بمعاداة السامية.. الغاية لدينا تبرر الوسيلة». وقال القس الأميركي ذو الشعبية الواسعة في صفوف الأميركيين الأفارقة في تسجيل ثالث: «إن عدد السود الأميركيين الذين في السجن الآن أكثر من الذين في الجامعة. هذا البلد قام واستمر على العنصرية. لن يصبح أسود يوما رئيسا لأميركا، ولن يتم التعامل مع امرأة سوداء بأكثر من كونها جسدا». كذلك شملت التسجيلات التي بثتها محطة الـ«ايه.بي.سي» لمواعظ رايت داخل كنيسته لأكثر من سبع سنوات، اتهامات واضحة من القس الأسود بـ«اختراع فيروس الإيدز لتدمير جماعات عرقية بعينها»، كما «تضمنت شماتة في أحداث سبتمبر 2001 بوصفها «نتيجة للسياسات الأميركية العدوانية في العالم». إحراج أوباما آراء أوباما الغريبة عن الطبقة السياسية الحاكمة في أميركا وضعته بزاوية حرجة، وقد حاول المرشح الرئاسي التخفيف منها في البداية بالقول: «إن رايت في خطبة الكنسية كان يحكي كالعم الطيب في منزله ووسط أسرته»، لكن اشتداد الضغط حدا بأوباما إلى التنصل التدريجي من مرشده الروحي، فألقى خطابا في فيلادلفيا خصصه بالكامل لمسألة السود والبيض والأعراق في الولايات المتحدة، ووصف فيها تصريحات رايت بأنها «خاطئة وباعثة على الفرقة». ودعا أوباما الأميركيين جميعا إلى تجاوز الماضي إلى الحاضر، والتصدي للمشكلات التي تواجه كل الأمة حاليا كالإرهاب، والحرب في أفغانستان والعراق، والانكماش، ومشكلتي الرعاية الصحية والتغيير المناخي». لكن القس رايت لم تعجبه هذه النبرة التصالحية، فأطلق هجوما جديدا في 28 من أبريل الماضي اعتبره انتقادا لآرائه، و«هجوما على الكنيسة السوداء ونضالاتها في أميركا». كما صعّد من لهجته في مواجهة العنصرية البيضاء في أميركا، وتبنى صراحة مجمل أفكار «لاهوت التحرير» ضد ما اسماه بـ«الإمبريالية الأميركية» . أعداء أوباما التقطوا خيط التصريحات الجديدة واعتبروها فرصة للتخلص من المرشح الديمقراطي الأسود دفعة واحدة. صقر المحافظين الجدد وليم كريستول اغتنم الفرصة فكتب في منبرهم «ويكلي ستاندرد»: انه «بات واضحا أن أوباما لم يكن صريحا تماما في توضيح جوانب الصلة بينه وبين القس رايت، فعلى سبيل المثال، زعم اوباما ان التصريحات التي أصدرها اجيرميا وكانت سببا في إثارة جدل واسع لم يستمع إليها شخصيا، إلا أن الصحافي رونالد كيسلر قال: «ان اوباما حضر الحديث الذي ألقاه رايت في 22 من يوليو الماضي عندما ألقى باللائمة على غرور الولايات المتحدة الأميركية البيضاء في الكثير من معاناة العالم، خصوصا السود». الصحافي بوب هربرت قال: «إن رايت وهو يحاول دعم أوباما تسبب في دفنه». المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون اغتنمت الفرصة وقالت: «إن علاقة أوباما بقسه رايت قوية، وان منافسها الانتخابي لم يغادر قاعة الكنيسة حين اتهم رايت أميركا بتدبير أحداث سبتمبر 2001». إزاء هذا التطور قرر أوباما أن ينقل ردة فعله من التبرير لرايت، ثم اتهام وسائل الإعلام بالتشويه إلى القطيعة التامة، والهجوم على أستاذه الروحي فأعلن الاربعاء الماضي أن «تصريحات رايت مدمرة ولا تصور واقع ولا قيم الكنيسة السوداء، كما أنها لا تمنح عزاء لضحايا الكراهية»، ثم أعلن لاحقا «القطيعة الثانية معه»، على أية حال يبدو أن الأزمة انفلتت من عقالها ولا تملك سوى السير في طريق المضاعفات. فمن جهة واضح، أن الخسائر التي مني بها أوباما في معركة منافسته هيلاري غير قابلة للتعويض، فالطبقة السياسية الأميركية المتنفذة ومعها قطاعات متأثرة بالدعاية السائدة لا تكاد تصدق أن الرئيس المحتمل للولايات المتحدة كان عرضة للتأثير الروحي والفكري لشخص بكل هذه الراديكالية، وبالتالي ترى ان لا سبيل للمغامرة بترك أوباما يتقدم نحو البيت الأبيض. ومن جهة أخرى، فإن رايت نفسه معارض لأي حلول وسط في ما يخص تخفيف ارائه، وسواء كانت دوافعه ذاتية أم موضوعية فهو يعتزم السير قدما في المواجهة المزدوجة، الا ان أي مواجهة تذبذب تلميذه القديم، وكذا مواجهة الخطاب الرسمي الأميركي بعنصريته وعدوانيته حسبما يعتقد. الأفق مفتوح على مجهول والاحتمالات عدة، لكن الأكثر خطورة فيها أن معركة ترشح أوباما انتقلت من خانة تجميل وجه أميركا بسياسي من أصل إفريقي على نحو ما حدث مع تعيين كولن باول وكوندليزا رايس في مواقع وزارية، إلى خانة استئناف معركة الأميركيين الأفارقة ضد العنصرية التي كانت حلقتاها السابقتان إلغاء الرق ثم حركة الحقوق المدنية بقيادة مارتن لوثر كنغ 1954-1968، وهي معركة يعني استئنافها زلزالا سياسيا في الداخل الأميركي. خطاب القطيعة قطع باراك اوباما «بحزن» و«غضب» علاقته مع مرشده الروحي السابق القس جيريميا رايت منددا بتصريحاته «المرعبة» وسط تصاعد جدل محرج عند ابواب المرحلة النهائية من الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لاختيار مرشحه للبيت الابيض. وقال اوباما في احدى محطات حملته الانتخابية في ونستون ـ سالم (كارولاينا الشمالية ـ جنوب شرق) نقلتها الشبكات التلفزيونية: «لا توجد اعذار للتصريحات المشينة التي ادلى بها القس رايت». واضاف المرشح لتمثيل الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر ان «هذه التصريحات تؤلمني، وتؤلم جميع الاميركيين، وهي تستوجب الإدانة». واصفا كلام جيرميا رايت الاستفزازي بأنه « نقيض» ما يمثله المرشح. وابدى ديفيد اكسلرود، واضع استراتيجية حملة اوباما، اسفه للحملةالاعلامية التي قام بها القس رايت، وقال متحدثا لشبكة «ام اس ان بي سي»: «من الواضح ان هذا لا يساعد قبل ثمانية ايام من الانتخابات التمهيدية في كارولاينا الشماليةوانديانا (شمال)». وكشف استطلاع للرأي نشرته مجلة «نيوزويك» ان بث مواعظ رايت المثيرة للجدل ادى الى تراجع صورة اوباما لدى 41% من الناخبين. وشدد اوباما الثلاثاء على «التناقض» العميق بين خطاب رايت وخطابه القائم على الدعوة الى توحيد الاميركيين. وقال: «آراء رايت بالتأكيد لا تعكس قيمي وقناعاتي الخاصة، وان كان القس يعتقد بأن هذا موقف سياسي (من جهتي)، كما قال، فهو لا يعرفني جيدا». واضاف: على ضوء تصريحاته امس، «ربما اكون انا ايضا لا اعرفه بالقدر الذي نعتقده» . جيرميا رايت: أوباما لن يصبح رئيساً طوّر أوباما ورقة لمخاطبة الناخب المسيحي المتدين.. أليس هذا مخالفا لتوجهات الحزب الديمقراطي؟ القصة لاتبدأ اليوم. فالكنيسة المتحدة التي أنتمي إليها تملك تاريخا عمره 350 سنة من محاربة العبودية والانحياز للعدالة الاجتماعية. نحن ككنيسة جزء من حركة تحرير العبيد. جديدنا هو التراجع عن المخاوف التقليدية من تأثير اعتقاداتنا وقيمنا الدينية على السياسات العامة. نحن فقط كنا نخشى بالمرجعية الدينية أن نجور على حقوق إخواننا المسلمين واليهود. لسنا وحدنا في الكون. الآلاف استمعوا لمواعظك.. هل يمكن لواعظ في أميركا نقل الناخبين من اليمين إلى اليسار؟ أولاً.. لايذهب كل الناس إلى الكنائس. ثانيا.. الكنيسة السوداء تاريخيا قوة سياسية ضد العبودية وفي قلب حركة الحقوق المدنية. وثالثا.. رجل الدين له دور في تحسين مجتمعه - كرر مجتمعه.. وليس فقط أولئك الذين يؤمنون بنفس أفكاره واعتقاداته..أو الذين يعيشون مثله. عليه أن يضع يديه على الأسئلة الأكثر حساسية في وطنه مثل كيف يعيش المستضعفون؟.. وماذا فعلنا للأطفال وكبار السن؟ يقولون إن أوباما باع قضية السود في أميركا.. ما تقديرك؟ هذا كلام غير عادل.. أوباما رفض المتاجرة بورقة السود في أميركا دون معنى.. هو يؤمن بالمساواة والتقدم لكل الأميركيين، ويركز على هذا وأنا أتفهمه.. فهو يقول مثلا إنه مهموم بألا تصبح المرأة الأميركية، بغض النظر عن لونها وجنسها، أسيرة ثلاثي «العمل، البيت، محل البقالة». هو يقول أيضا إن رصاص العنف لايميز بين أبيض وأسود.. هذا كلام جيد. هل تعتقد أن أوباما سيصبح رئيساً؟ لا.. لا أعتقد ذلك ما لم ينتزع قوميا ما انتزعه داخل جماعته .. ما لم يفز بعقول وقلوب المعادين للسود في أميركا، العنصرية مغروزة بعمق في التربة الأميركية، وهو لايزال رجلا أسود في بلد لديه تاريخ مؤسف ضد هذه الجماعة. على أية حالة أتمنى أن تخيب توقعاتي وينجح أوباما في الانتخابات الرئاسية كما خابت في الانتخابات النيابية. دير شبيجل
التسلسل الزمني لعلاقة أوباما بجيرميا رايت 1972: تعيين رايت راعي كنيسة التثليث في شيكاغو.
1985: أوباما يلتقي رايت لأول مرة أثناء عمله متطوعاً أهلياً في شيكاغو.
1988: أوباما يعتنق المسيحية بعد سماع موعظة عن الأمل من رايت. 1992: رايت يبارك زواج أوباما من ميتشل. 10 فبراير2007: أوباما يقرر إعفاء رايت من مهمة المرشد الروحي لحملته الانتخابية الرئاسية كما كان مقررا سلفا. 22 فبراير 2007: مجلة «رولنغ ستون» تنشر بروفايل عن أوباما يتضمن ما اسمته ببذاءات رايت في الحديث عن أميركا العنصرية. 14 مارس 2008: رايت يقول إن ملاحظات اوباما غير مقبولة، ولاتقبل التبرير. 18 مارس 2008: خطاب أوباما الشهير عن الجنس. 31 مارس 2008: محطة «أيه بي سي» تذيع مواعظ رايت التحريضية فبثتها القنوات الأخرى ووكالات الأنباء. 28 أبريل 2008: رايت يقول ان انتقاده هجوم على الكنيسة السوداء. 29 أبريل 2008: أوباما ينهي علاقته برايت. داته..أو ال فليلعن الله أميركا قال رايت أيضا في تسجيل آخر: «الحكومة الأميركية تعطي الفقراء والسـود في بلادها المخدرات، وتبني لهم المزيد من السجون، وتسن لهم قانون الفصل بعد ثلاثة إضرابات. لا تقولوا.. فليبارك الله أميركا.. لا لا فليلعن الله أميركا.. فليلعن الله أميركا التي تقتل الأبرياء، وتعاملنا بوصفنا كائنات غير آدمية». |