نزار قباني أيضاً

 

يمكن تقسيم الشعر العربي المعاصر إلى حقبتين: شعر ما قبل نزار قباني، وشعر ما بعد نزار قباني. هل كان موقفه ملتبساً في بعض القضايا؟ ربما. وهل فاجأ الناس في قضايا أخرى؟ ربما.
 
لكن ما نتلمس شبه إجماع عليه، هو أن نزار قباني كان أول شاعر عربي ينتقل بلغة الشعر من نخبويتها إلى شعبيتها. فلم يعد قاموس اللغة الشعرية عند نزار قباني، هو ذلك القاموس الجزل والموشح بالفخامة اللغوية.
 
كما لم تعد الصور البلاغية هدفاً أو هماً أو شاغلاً للشاعر. تماماً كما طوع العديد من القضايا والموضوعات اليومية، وشكلها لتتحول مادة شعرية، وهي التي لم تكن أكثر من مادة للحكايات العابرة أو المقالات الصحافية السريعة. نحن إذاً على مسافة 10 سنوات من رحيل نزار قباني ـ توفي في 30 أبريل 1998، ولم نزل نحاول التحرك بحرية أكبر في كونه الشعري الواسع والمتنوع.
أول ما فعله نزار قباني، هو أنه استحضر المرأة العربية كائناً بشرياً مستلباً، ووقف معه وإلى جانبه. وربما هذا ما يفسر إلى حد ما شيئاً من جماهيريته العريضة في الوطن العربي. تحدث نزار بلسان المرأة العربية، فعبر عن اضطهادها وانكسارها وتخلفها وقيودها التي تشتد على روحها منذ قرون.
 
وقد لقي هذا الطرح استجابة هائلة في الوسط النسائي العربي، وفي الوسط الذكوري أيضا، طالما أصبح شعر نزار معياراً للتحضر والرقي والمساواة.  لقد فرض نزار على الرجل العربي أن يتظاهر ـ في أقل الأحوال ـ بتحضره وتقدميته التي تعني من بين ما تعني، الإقرار بحرية المرأة وحقها في المساواة بالرجل. ولكن نزار قباني، لم يتوقف عند هذا الحد، فقد وجد أن هنالك جمهوراً مغيباً عن المشهد الشعري العربي، وهو جمهور المراهقين تحديداً، فامتشق قلمه وتحدث بلسان هذه الشريحة الأكبر في العالم العربي، فكانت قصيدة لوليتا!
 
لم يراع نزار قباني خصوصية المجتمع العربي وثقافته وتاريخه وقيمه. وهو ما جعله يستنسخ لوليتا (ناباكوف) لتصبح مراهقة عربية.
 
يمكن وصف نزار في هذا السياق، بالطوفان الذي لا يفرق بين بشر وحجر وشجر، في سبيل نجوميته ومجده. ولكنه في الوقت ذاته، لم يوظف الموضوع توظيفاً فقيراً على المستوى الجمالي. فقد كتب نزار قباني أرق كلمات الغزل وأكثرها عذوبة، ما يسكر المرأة في أي مكان.
 
بعد هزيمة حزيران، كتب نزار قباني قصائده السياسية التي رافقته حتى أواخر أيامه. وهو في هذه القصائد، كان أيضاً لسان حال الجماهير العربية المصدومة بالهزيمة، والساخطة على السلطة العربية الرسمية، التي كانت ـ في أشعاره ـ سبب الهزيمة الرئيس. كتب حينها هوامش على دفتر النكسة وغيرها.
 
وحين قتلت زوجته «بلقيس» في بيروت، أصيب نزار بإحباط نفسي جعله يقضي آخر 15 عاماً خارج الوطن العربي.
 
ذكرى وفاته العاشرة هذا العام، تأتي ودمشق عاصمة الثقافة العربية، فهل تفيه دمشق حقه في عرسها العربي؟ كما نأمل أن تفعل مع الأب الروحي لقصيدة النثر العربية محمد الماغوط، الذي توفي في 3 أبريل 2006 .

 
damra1953@yahoo.com  

الأكثر مشاركة