التفكير» و«التخطيط» و«التنفيذ» الاستراتيجي!
|
|
كل من يستطيع أن يحلم يعتبر وفق خبراء الإدارة «مفكراً استراتيجياً»، ووفقاً لهم أيضاً، فإن الأطفال هم أكثر الناس «تفكيراً استراتيجياً»، فالطفل دائماً ما يترك لخياله العنان في رسم المستقبل، فيقول ببراءة: سأصبح طياراً، أو عندما أكبر سأكون طبيباً أو ضابط شرطة، ومن حيث لا يدري فإن ذلك هو عين التفكير الاستراتيجي؛ لأن جملة «عندما أكبر» تعني ـ على أقل تقدير ـ 20 عاماً، ما يعني أنها خطة استراتيجية طويلة الأمد!
ولعل من أهم مفارقات التخطيط الاستراتيجي أن أول من وضع خطة استراتيجية ناجحة جداً لمدة 15 عاماً، وقام بتنفيذها بدقة متناهية، وبشكل يواكب ويوائم بنود ومعطيات الإدارة الحديثة، مع أنه قام بذلك قبل أن ينشأ علم الإدارة بمئات مئات السنين، هو سيدنا يوسف، عليه السلام، وقسّم خطته على مرحلتين: سبع سنوات للعمل والإنتاج، وسبع سنوات اتّبع فيها سياسة ترشيد الإنفاق، واستطاع بذلك أن ينجح في تخطيط وتنفيذ أول خطة استراتيجية بعيدة الأجل عرفها العالم!
وقبل أن يدفع البعض بأن سيدنا يوسف نبي مرسل، وموجَّه من قِبل رب العالمين ـ وهذا صحيح ـ إلا أن سر نجاح سيدنا يوسف، كما يرى بعض خبراء الإدارة، قائم على نمط إداري ناجح آخر طبّقه شخص آخر لم يكن نبياً مرسلاً، بل إن التاريخ لا يذكر اسمه، وربما لا يعرفه إلا بمنصبه، وهو ملك مصر الذي أعطى صلاحيات واسعة لسيدنا يوسف، واعتمد خطته الاستراتيجية، وكان مشهوراً بحبه الشديد للتشاور، وعدم التفرد باتخاذ القرارات، عكس جميع ملوك تلك الفترة، ولولا أسلوب إدارة ذلك الملك للدولة لما نجح سيدنا يوسف في إنقاذ البلاد، ولما نجحت خطته الاستراتيجية..
هذه المقدمة كلها للوصول إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أن الخطط الاستراتيجية ليست غاية في حد ذاتها، لكنها في غاية الأهمية، لا تطوير ولا تنمية ولا تقدم دون تخطيط استراتيجي، ولكن في المقابل، لا نجاح لأي خطة استراتيجية دون «متابعة استراتيجية».
في دراسة «عالمية» أعدّتها شركة ماليزية، رصدت فيها شركات كبيرة ومتوسطة من كل دول العالم، خلصت إلى أن 97% من تلك الشركات لديها «استراتيجية»، بمعنى أنها تمتلك رؤية ورسالة، ولديها أهداف، لكن نسبة الشركات التي تمتلك استراتيجية «واضحة» لم تتجاوز 80%، و52% من هذه الشركات هي فقط التي حققت «نجاحاً نسبياً» في تحقيق الاستراتيجية، و33% فقط هي الشركات التي حققت «نجاحاً مميزاً» في تحقيق الاستراتيجية!
وهنا تكمن المشكلة، في «كيفية» تنفيذ الاستراتيجية، فـ«التفكير» الاستراتيجي سهل جداً، بل سهل للغاية، والأطفال هم البارعون فيه، كما ذكرت في المقدمة، و«التخطيط» الاستراتيجي أيضاً سهل، ويكفي أن يكون لديك فرد أو فريق لوضع الخطط الاستراتيجية، أما الصعوبة فتكمن في «التنفيذ»، ومن بعد التنفيذ تأتي مسألة الرقابة والتقييم، وخلاصة ذلك كله أنه يجب علينا الالتفات إلى مراحل تنفيذ الخطط الاستراتيجية؛ لأنها الأهم، مع عدم إغفال أهمية التخطيط الاستراتيجي، وتأكيد أنه ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة للوصول إلى الغايات الاستراتيجية..
reyami@emaratalyoum.com
|