النفي لن يلغي الحقيقة


  ليس غريباً أن تسعى إدارة شرطة الشارقة إلى نفي خبر ما، ولكن من المعيب حقاً أن تنشر صحيفة يفترض أنها «عريقة» نفي الشرطة المبطن بإساءات واتهامات لصحيفة أيضاً يفترض أنها «زميلة»، مع العلم أن الأعراف والتقاليد الصحافية تمنع نشر نفي أو إساءة لصحيفة زميلة، وتلتزم الصحف العريقة بتحويل النفي إلى الصحيفة ذاتها لإعطائها أحقية النشر!
 
وبما أن المثاليات مفقودة في المجتمع الصحافي ـ كما هي في كثير من أمورنا الحياتية ـ فإننا نلتزم أمام قارئنا بعرض الحقيقة، ولينفِ مَن ينفي، وينشر مَن ينشر، لكن ثقوا تماماً بأن القارئ في الإمارات ليس ساذجاً، بل وصل إلى درجة من الوعي والذكاء تفوق في كثير من الأحيان تصريحات مصدر، أو خبراً منشوراً!
 
خبرنا الذي يراه مدير إدارة البحث الجنائي «مفبركاً»، لم يكن منسوباً للصحيفة، أو من بنات أفكار الصحافي، إنما هو لقاءات «موثّقة» مع ضحايا تعرّضوا لهجمات من أفراد ملثمين انهالوا عليهم ضرباً بالسيوف والسكاكين، والضحايا الذين التقتهم «الإمارات اليوم» موجودون بأسمائهم وصورهم وحتى أرقام هواتفهم، فلا مجال لـ«الفبركة»!

والأكثر من ذلك، فإن الضحايا زوّدوا الصحيفة بصور حية بعد تعرضهم للإصابات، لكننا ارتأينا عدم نشرها حفاظاً على مشاعر القراء، وإذا كان البعض لا يستطيع  التفريق والتمييز بين ضربة السكين والسيف، فإننا سنرسل له صورة إحدى الضحايا وهو يحمل جزءاً من رأسه في يده بعد أن أطاحت به شدة الضربة، وأعتقد أن المضروب على رأسه يجيد التمييز بين الضربتين بشكل أفضل ممن يجلس على مكتبه ويطلق أحكامه، وينفي ما يشاء بالتصريحات الكلامية!
 
وإذا عدنا لتفاصيل الموضوع أكثر، سنجد أن الصحيفة نقلت بالحرف الواحد تصريحات شرطة الشارقة التي أكدت فيها أن «الموضوع لا يتجاوز مشاجرات عادية»، في الوقت الذي أخذت فيه أقوال الشهود والضحايا، ونقطة الخلاف أننا ذكرنا في الخبر وجود «عصابة ملثمين»، بينما تصرّ الشرطة على أنهم «ليسوا عصابة، وتم القبض على ستة منهم»، وبدورنا نحب التوضيح فقط للسادة المسؤولين أن «الرهط» في اللغة العربية، وهم ثلاثة أشخاص أو أكثر يطلق عليهم «عصابة» أو «عصبة»، وستة أشخاص لا شك في أنهم أكثر من ثلاثة، إذاً أين المشكلة؟ نعم هم عصابة، يخططون لاعتداءات، ويهاجمون، سواء كان ذلك بهدف الشجار أو غيره!

الغريب والمضحك في الأمر أن الصحيفة العريقة التي نشرت النفي والتهكم والإساءة على لسان شرطة الشارقة، تفاخرت في نهاية الخبر بأنها «انفردت» بنشر خبر مصوّر عن أفراد ملثمين حرقوا سيارة في إحدى مناطق الشارقة!  أفراد، وملثمون، ومارسوا عملاً إجرامياً من نوع حرق سيارة بأسلوب إجرامي جديد على المجتمع.. ترى ماذا يمكن أن نسمي ذلك.. «مجرد مشاجرات»؟ فليكن ذلك، فلتكن هي مشاجرات، وليكن الموضوع «بسيطاً»، ولنكن نحن مارسنا «الفبركة» الإعلامية، هل تعتقدون أن ذلك سينطلي على المجتمع والقراء؟ ألا تعتقدون أن للضحايا أسراً وجيراناً وجميعهم يعرفون التفاصيل الدقيقة، هل يظن البعض أن النفي والتعتيم سيؤديان إلى اختزال الجريمة والسيطرة عليها؟ أشك في ذلك!!  
 
  reyami@emaratalyoum.com

الأكثر مشاركة