رفقاً بشجر الرمان

 

قد لا يحتاج الواقع الاجتماعي في بعض البلدان العربية لمكابدة الروائي اليقظ لتحويل التفاصيل اليومية المعاشة إلى عمل سردي متقن، وهذا ما فعله الكاتب اليمني وجدي الأهدل في روايته الجديدة «بلاد بلا سماء» التي صدرت في صنعاء الأسبوع الماضي.
 تدور أحداث الرواية حول اختفاء طالبة جامعية، شوهدت لآخر مرة بالقرب من شجرة رمان في حديقة الجامعة. الأهم من حادثة الاختفاء ما ترصده الرواية من ملامح العنف الذكوري الذي يمارس بحق الأنثى منذ طفولتها حتى خروجها إلى الشارع، وتحتشد الصفحات الأولى من الرواية بتفاصيل دقيقة عن الرقابة التي يمارسها الأهل ضد الفتاة في المنزل، واعتبارها محل شك دائم.
يحاول الكاتب في هذه الرواية مقاربة قضية تندرج ضمن المسكوت عنه في المجتمعات التي لاتزال البنية العشائرية تسيطر عليها، حيث تتغلب على الأهل مشاعر الخوف من الفضيحة، فيتسترون على مثل هذه القضايا، ويتجهون أحياناً لاختراع قصص ميتافيزيقية لتبرير حوادث اختفاء الفتيات، ويستمرون رغم ذلك في انتهاج الكبت وسيلة وحيدة للتربية والتعامل مع البنت. حساسية موضوع الرواية تجبر القارئ على تناولها من زاوية المضمون، مقابل تأجيل الحديث عن الجوانب التقنية، بل إن الموضوع هنا يتفوق على الأسلوب والتكنيك السردي ويفرض لنفسه الأولوية، كما يلقي بثقله على شخصيات الرواية ولا يسمح بإظهار جوانب أخرى من حياتها إلا إذا كانت تتصل بحدث الاختفاء أو التمهيد له.
تظهر الرواية جانباً من الثأر الأعمى، حين يقوم أهل الطالبة المختفية بقتل ابن الجيران، لأنه عثر على بقايا ملابس نسائية تحت شجرة في حديقة الجامعة، وحين تفشل القبيلة في العثور على ضالتها، تلجأ إلى الشعوذة بحثاً عن مبرر غيبي لاختفاء الفتاة.
 يتنبه الكاتب للمسار الواقعي الذي كادت الرواية  تتحول بفعله إلى كتاب وثائقي، فينقذ عمله من سطوة الموضوع بإدخال بُعد غرائبي على الحكاية، ويتميز وجدي الاهدل بتوظيف الميتافيزيقا في أعماله السردية، وعبر هذا البعد ينجح في انتشال روايته من الغرق في الفخ البوليسي والسرد المباشر، وتكشف الرواية عن مصير بطلتها على لسان المشعوذ الذي يخبر عشيرة البنت أن فتاتهم تزوجت جنيّاً واختفت معه بداخل جذع شجرة رمان في حديقة الكلية.  وتوغل السطور الأخيرة من الرواية في الغموض حين تعثر الأم على دفتر يوميات ابنتها المختفية، وتشير في آخر يومياتها إلى حلم اقترانها بكائن هلامي يسكن شجرة الرمان في الجامعة، وتكشف اليوميات عن الضغوط النفسية التي كانت الطالبة تعانيها، وتضاعفت أزماتها بمحاولة أستاذ الجامعة إقناعها بمقايضة جسدها مقابل منحها درجات النجاح في مادته، ذلك العرض الذي رفضته وقاومته باختفائها الغامض، بعد أن أظهرت كل ما لديها من قوة للحفاظ على كرامتها. 
 تقول الأم في خاتمة الرواية: «لقد دفعنا كل ما نملك من مال لذلك المشعوذ الدجال لكي يوجد لنا ستارة نغطي بها على الفضيحة، ولكي يرقع لنا حكاية نبرر بها فقدان ابنتنا، ونحفظ بها ماء وجهنا أمام الناس..». وكان مؤلف هذه الرواية قد حقق شهرة غير مسبوقة في الوسط الأدبي اليمني منذ صدور روايته الأولى «قوارب جبلية» التي منعت من التداول وصدرت في طبعة عربية عن دار رياض الريس، كما رشحت روايته «فيلسوف الكرنتينة» لنيل جائزة البوكر العربية.  
  slamy77@gmail.com 
تويتر