السينما الفلسطينية.. حياة يومية دون شعارات


لابد أن الحضور اللافت للسينما الفلسطينية في السنوات العشر الأخيرة، أمر يستدعي التوقف مطولاً، وله أن يجد في فيلم «ملح البحر» للفلسطينية آن ماري جاسر، الذي أعلن عن مشاركته في  قسم «نظرة ما» في الدورة الـ61 من مهرجان كان، التي يفصلنا عنها أسبوع، مكسباً آخر لهذه السينما التي حققت على صعيد عالمي الكثير، لنا أن نستعيد آخر منجزاتها من خلال فيلم هاني أبو أسعد «الجنة الآن» والحضور العالمي اللافت لهذا الفيلم، وترشحه لأوسكار أفضل فيلم أجنبي العام الماضي، مضافاً  إلى منجز أبو أسعد، المنجز الأهم في السينما الفلسطينية على صعيد الحضور والمهرجانات العالمية، ألا وهو فوز فيلم ايليا سليمان «يد إلهية» بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عام 2002، الأمر الذي يتيح لنا هنا أن نؤرخ به لبداية حضور عالمي كبير للسينما الفلسطينية.
 
يمكننا القول هنا إن التغيرات التي طرأت على هذه السينما طالت الموضوع والانحياز نحو الإنسان الفلسطيني في الداخل  ومقاربة حياته اليومية دون شعارات أو أفكار مسبقة، وطالت من جهة أخرى الجهات المنتجة، وانزياحها نحو التنوع، حيث أصبحت في الغالب مشتركة مع جهات أوروبية على نحو خاص، بعد أن كانت تعتمد بشكل كبير على منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المنضوية تحت جناحها، وعملت تلك الأفلام على توثيق الحياة الفلسطينية، وبناء مصدات سينمائية أمام ما قد يشوب تلك الذاكرة من قسوة تفرضها حالة الشتات والتدمير الشامل لبشر وتواريخ وأمكنة على يد الاحتلال الاسرائيلي، إضافة لدورها التحريضي، لا بل الدعائي، لضرورات ومتطلبات الثورة والتحرر والكفاح، ولنكتشف أن تلك الأفلام، التي كان يضمها أرشيف المؤسسة الفلسطينية للإنتاج السينمائي، اختفت ابان الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982، أفلام وثّقت الهوية والذاكرة الفلسطينية منذ عام .1969
بعيداً عن تلك الحادثة الأليمة، ثمة أمر لافت يتصدى له كتاب «ثلاث علامات في السينما الفلسطينية الجديدة» للناقد بشار إبراهيم، يضعنا أمام تعريف للسينما الفلسطينية، كون الكتاب يفصل بين السينما الفلسطينية وسينما القضية الفلسطينية، معتمداً أولاً وأخيراً على الجهة المنتجة، بحيث تكون المسافة مبنية بين هذين النوعين على أساس أن السينما الفلسطينية تشمل الأفلام المنتجة بأموال فلسطينية، أو بمشاركة أموال أو جهات فلسطينية في إنتاجه، بينما تندرج تحت مسمى «سينما القضية الفلسطينية» الأفلام المنتجة بأموال وامكانات غير فلسطينية، سواء كانت عربية أو أجنبية، فحسب إبراهيم «جنسية السينما لا تتحدد بالمخرج، بل بالمنتج أولا وتاليا». بناء على هذا التقسيم فإن ابراهيم يعتبر العلامات الفارقة للسينما الفلسطينية الجديدة: ميشيل خليفي، ورشيد مشهراوي، وإيليا سليمان، ويعتبر فيلم «الذاكرة الخصبة» لميشيل خليفي، انتاج عام 1980، البداية الحقيقية للسينما الفلسطينية الجديدة.
بناء على ما تقدم فإن أفلاماً مثل «المخدوعون» لتوفيق صالح، أو «ثلاثية رجال تحت الشمس»،  أو «كفر قاسم» لبرهان علوية، وغيرها من أفلام انتجتها المؤسسة العامة للسينما في سورية، أو تلك التي انتجت في  مصر أو العراق، تندرج ضمن سينما القضية الفلسطينية، وكذلك الأمر بالنسبة لفيلم مخرجه ومعظم طاقمه فلسطيني هو «الجنة الآن» كونه انتج بتمويل مشترك بين أكثر من بلد أوروبي (فرنسا، هولندا، ألمانيا)، ولعل اشتراكه بالأوسكار، بوصفه فيلماً فلسطينياً، جاء مزعجاً لتلك الجائزة، وثمة من يقول إن ذلك منعه من حصوله عليها، وهذا الأمر لا يمتد ليشمل «ملح البحر» الذي بدأنا به حديثنا كونه مصنوعاً بتمويل فرنسي/ فلسطيني مشترك.
الفرز بصرامة أمر يساعد الباحث على التأريخ للسينما لفلسطينية، ولعله إجراء لابد منه لتتضح الخطوط العامة لمسيرتها، وتبيان بداياتها ومجرى تطورها.
 

الأكثر مشاركة