إعلان مضاد
|
|
الهجمة الإعلانية الاستهلاكية قوية وشرسة، وآلتها ضخمة، وأدواتها فتاكة، ونتائجها على الناس مذهلة. هذا هو لسان الحال في كل بلاد الدنيا، لأن الكلمة رأس المال، والفعل يقوم على تدوير رأس المال. وفي ذلك للمجتمعات الفقيرة نصيب.. من أسواقها، ودخول ساكنيها وعرق عمالها. ولكن لمجتمعات الوفرة والطفرة والسيولة، المنسابة من مداخيل النفط المتراكمة، نصيب أكبر من تلك الهجمة، وتقدير مختلف لمسألة تدوير رأس المال عبر تشجيع الاستهلاك، متحرراً من أي ضوابط للفعل الرأسمالي العقلاني.
لذلك أصبح عندنا شراء السيارات الفارهة عبر قوائم الانتظار، وهي المعروفة بقلة إنتاجها لقلة مشتريها. وصارت عندنا العلامات التجارية مطلوبة لكل المواسم في المناسبات وغير المناسبات ومن جميع المستويات.. من يملك ومن لا يملك. وصار إقبال الناس على الشراء، شراء كل شيء، جزءاً من سلوكهم اليومي بالرغم من تصاعد الأسعار بلا حدود. وزادت حركة السفر، وتضاعفت شركات الطيران، وزاد عدد الأسواق، وكثر خروج الناس الى المطاعم والمقاهي، وصارت اللعبة بيد الطفل باستخدام المرة الواحدة، وزاد عدد الخياطين والمصممين، ونبتت محلات بيع الهواتف المتحركة كالفطر السام ونافست محلات حلاقة الرجال صالونات التجميل النسائية.. والقائمة تطول، فلا يكاد الناس يفرغون من ترتيب أولوياتهم منها حتى تظهر بنود جديدة.
لذلك يرى الكثير من الناس أنهم بحاجة إلى المزيد من المال، وإن زادت دخولهم. فعجلة الاستهلاك أسرع، وآلة إعلانها أقوى، فتنفتح أبواب الطمع، والطموح غير المشروع، فيكون الملاذ إلى وسائل تفريخ الأموال وتحقيق الثراء السريع.. وإن كان وهماً أو حراماً، أو طامة كبرى تنزل على رؤوس أصحابها. هذه الحال بحاجة إلى وقفة، إلى دراسة، إلى تحرك إعلاني وإرشادي يبني ثقافة عقلانية تعيد الناس إلى السكة، وتضع المظاهر في حدودها وتضع لشهوة الاستهلاك حدودها. وهذا يتطلب تحركاً وطنياً يبدأ بقرار مستوى عال ثم يصير إلى آلية تشمل وسائل تشكـيل الوعي الـعام جميعها.
adel.m.alrashed@gmail.com
|