كامرا: الحوار مع الآخر عقيم في غياب الترجمة
عبرت المستشرقة والمترجمة الإيطالية، الدكتورة إيزابيلا كامرا، عن أساها وإحباطها لعدم وجود دعم مؤسساتي عربي أو أوروبي لترجمة الأدب العربي إلى الايطالية أو اللغات الأوروبية الأخرى. وقالت «تعبت كثيراً بعد أكثر من 30 عاماً من العمل في مجال الترجمة، وأنا مصابة بالإحباط، ولا يوجد مستقبل في ميدان هذا العمل».
وعن دلالات «الآخر»، أوضحت أستاذة كرسي اللغة العربية في كلية الدراسات الشرقية في جامعة روما، أنه «في الماضي كنا نعرّف الآخر بأنه العدو، أو الناس الذين لا نعرفهم، أما الآن فالآخر ليس عدواً، او من لا نعرفه»، مشيرة إلى أن «الناس في أوروبا لا يعرفون الثقافة العربية، وأعتقد أن الأدب وسيلة مهمة من أجل تعريف الغرب بعظمة الثقافتين العربية والإسلامية»، مؤكدة أن الترجمة بوابة مفتوحة لاكتشاف الآخر، إذ أن «الناس حين تقرأ الكتب المترجمة تتعرف إلى الآخر، خصوصاً أن الأدب يمثّل تفاصيل المجتمع».
د. كامرا التي شاركت في ملتقى الشارقة للرواية، حمّلت الإعلام والاتجاهات السياسية المسيطرة في ايطاليا مسؤولية تشويه صورة العربي لدى المجتمع الايطالي، وقالت كامرا بأسى ان «تعاطف الشعب الايطالي مع القضايا الأخرى في العالم، تغير الآن لأسباب سياسية، والإعلام لعب دوراً سلبياً أسوأ مما كان عليه سابقا، في تشويه هذه الصورة، كما لا يوجد تمثيل للحقيقة الأخرى في هذا الإعلام. السياسة غيرت كل شيء».
وعن الجهود التي بذلتها المستشرقة الإيطالية قالت لـ«الإمارات اليوم» إنها نشرت سلسلة أدبية عربية «بدعم من محام ايطالي يحب العرب، ولكن لا توجد مؤسسة في ايطاليا او العالم العربي تقدم الدعم لنشر الكتب المترجمة من العربية إلى الايطالية». وقالت «ترجمت مجموعة قصص لكتاب من الخليج العربي، ولا يوجد ممول لنشر هذه الترجمة، وطالبت المجموعة الاوروبية بتقديم دعم لنشرها، لكن المسؤولين ردوا عليّ بأن أبحث عن مؤسسات عربية تهتم بدعم الترجمة الى اللغات الأوروبية».
طواحين الهواء أوضحت كامرا صاحبة كتاب «مائة عام من الثقافة الفلسطينية» أن «الأفكار الخاطئة في يومنا هذا مصدرها ليس الكتابات السطحية فحسب، وسوء نية صحافيين وأصحاب رأي مثل اوريانا فلاتشي التي كانت تكره العرب والمسلمين، وإنما بعض المفكرين العرب، المقيمين في بلادنا منذ سنوات طويلة، والذين اندمجوا في المجتمعات الاوروبية حتى توحدوا مع المتنكرين للعرب». مبينة «عندما يقول عربي من هؤلاء شيئا فظيعا عن العالم العربي يصدقه الناس اكثر مما يصدقون الغربي في ما لو قال الكلام نفسه، فنبدو نحن من النقاد المعجبين بالعرب كاذبين، اما هم فيبدون كمن يمتلك الحقيقة المطلقة. وفي هذا ضرر خطير لنا ولكم». وشددت كامرا قائلة «نشعر بأن علينا واجباً مزدوجاً، ان نوصل صوتنا من ناحية وأن نخوض معارك شرسة ضد طواحين الهواء مثل دون كيشوت، وأعود فأؤكد أن الأمل الكبير في التحول الى حال افضل يتحقق من خلال طلابنا الذين يتزايدون باستمرار في جامعاتنا التي تدرس اللغة والثقافة العربيتين». وأضافت أن «عدد الطلاب الدارسين للاستشراق زاد الآن في إيطاليا، إذ أدرس الآن في كلية الدراسات الشرقية في جامعة روما (لا سابيينسا)، حيث يوجد 500 طالب وطالبة، يدرسون اللغة العربية والاستشراق وهذا شيء ايجابي».
وعلى الرغم من الاحباط الذي عبرت عنه الدكتورة كامرا، الا انها اشارت الى ان «الجيل الجديد من الكتاب يكتبون عن العرب من وجهة نظر إنسانية، لكن هذا لا يكفي».
تفاؤل عن اهتمام المجتمع الايطالي بالادب العربي، قالت كامرا ان «المجتمع الايطالي يحب الرواية العربية ذات الصور النمطية، كما ان الاهتمام زاد عقب احداث 11 سبتمبر 2001، في مختلف المجالات، منها التاريخ، والإسلام، والأدب، وهذا شيء إيجابي، ولكن لا يكفي ايضا».
واكدت «يجب علينا ان نعوّل على الأمل في مستقبل أفضل وتفاهم أوسع بيننا وبين الآخرين». وتابعت مترجمة الأدب العربي الى اللغة الايطالية «أرى اختلافاً في وضع الكتاب عن الماضي، حيث نستطيع ان نحب الكتب اكثر من الماضي، ففي إيطاليا هناك نخبة تعمل من اجل الحوار والمعرفة، ولكن الاغلبية لا يعنيها ذلك، وكل ما ينظم من محاضرات وندوات من اجل جسر الهوة، يبقى في اطار الخطابة لا اكثر». وعادت كامرا لتؤكد الصورة العكسية عند العرب بأن «الصورة النمطية عن العرب ما زالت موجودة، الا انني متفائلة بطلابي لأن يفعلوا شيئاً مختلفاً وجديداً، فما نحتاج اليه اليوم هو رؤية صحيحة وموضوعية دون قلب للحقائق».
واضافت ان «مشكلة عالمنا الحالية تؤكد الحاجة المتزايدة الى الحوار، وقد كثر الحديث عن الحوار الثقافي بالتحديد، وفي هذا يعتبر دور المترجم حاسماً، فمن دون الترجمة يصبح الحوار عقيماً، او حواراً من طرف واحد، من الطرف الذي يشعر في قرارة نفسه، ودون سند من الحق، انه اكثر تفوقاً عن الآخر، وانا على اقتناع تام بأن الترجمة ونشر الثقافة العربية في الغرب تبعد الطرفين عن الافكار المنمطة والمسبقة والجامعة».
غسان كنفاني عن تعلقها وحـبها للغة العربية، قالت المستشرقة كامرا «في ما يتعلق بي شخصيا، فقد عشقت الأدب العربي منذ ان امتلكت القدرة على قراءة لغتكم الرائعة، فلم يكن الأدب العربي بالنسبة لي دراسة وعملا، وانما كان عشقا حقيقياً. ومثل أي عشق حقيقي لم اشعر بالوقت ولا بالتعب والجهد الذي بذلته، وهكذا اجد نفسي، بعد نحو 25 عاماً من اول كتاب نشرته بالايطالية مترجماً عن العربية، وكان إحدى روايات الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، أراجع ما قمت به وما أنجزته، وأتعجب انا نفسي من عدد الترجمات التي قمت بها شخصياً، او التي شجعت الجيل الجديد من المترجمين والباحثين على القيام بها، والذين يعملون الآن بجد ونشاط، حتى تفوقوا على استاذتهم».
وأكدت كامرا «هذا هو النجاح الحقيقي في الحياة بالنسبة لي وهو نجاح افخر به، واشعر بعميق الرضا لأنني ساعدت شبابنا على معرفة الآخر من دون ان يكتفوا بما يسمعونه عنه من وسائل الاعلام، والذي شوهته السياسة ايضا، بل ان يتعمقوا في معرفة الآخر معرفة مباشرة». وقالت ان «الأدب والثقافة يمكن ان يكونا بالنسبة للغرب الوسيلة الوحيدة لمعرفة الآخر بشكل صحيح، دون الوقوع في فخ الافكار المتصلبة الجامدة''. سيرة بين لغتين شاركت ايزابيلا كامرا في العديد من المؤتمرات العالمية داخل ايطاليا وخارجها، ومن بينها جامعات عربية، وشاركت ببحوثها بوصفها أستاذة للغة والأدب العربيين في العديد من الجامعات الايطالية. وحازت عددا من الجوائز في الترجمة الادبية، منها جائزة غريترانة كافور الوطنية للترجمة الادبية في تورونتو عام .2006
كتبت كامرا العديد من الابحاث والمقالات الادبية التي يدور معظمها حول الادب العربي المعاصر، ونشرتها في مختلف المجلات الايطالية والعالمية. والّفت العديد من الكتب عن الادب العربي، منها «مائة عام من الثقافة الفلسطينية»، وهي عضو في هيئة تحرير مجلة «الشروق الحديث»، وفي لجنة الشارقة للثقافة العربية التابعة لمنظمة يونسكو.
ترجمت الى اللغة الايطالية روايات وقصصاً لكتّاب عرب، منها «ميرمار» لنجيب محفوظ، و«سداسية الايام الستة» لإميل حبيبي، و«مختارات قصصية» لغادة السمان، ومختارات قصصية لكاتبات سعوديات. |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news