حمـزة عبـّود: شعراؤنـا حـالات أكثـر منهـا قصائـد


لا تبدو مختارات الشعر اللبناني التي أعدها الشاعر حمزة عبود، مجرد أنطولوجيا عادية، لفترة معينة من فترات الشعر اللبناني. واللافت في هذا الموضوع، العمل الدؤوب الذي ميز العمل، إذ يبدو أيضا كقراءة حقيقية لهذه التجربة.

 

 جاء مشروع هذا الكتاب في إطار المشروع الذي تقدمت به المؤلفة الموسيقية والمغنية الأوبرالية هبة القواس الى اللجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو بعنوان: «الفنون الثمانية في لبنان خلال القرن الـ .20»، تم الاتفاق مع الأمينة العامة للجنة سلوى السنيورة بعاصيري على إنجازه بعد الاتفاق على عدد من المسائل المتعلقة بالفترة الزمنية والجوانب الفنية والأكاديمية.

 

 وحول  تفاصيل هذا المشروع الثقافي المهم أوضح عبود قائلا  «وجدت أن هذا المشروع يتيح لي إعادة قراءة الشعر اللبناني منذ منتصف القرن الماضي تقريباً لغاية يومنا، حيث نشأت ـ في رأيي ـ أبرز الحركات والاتجاهات الشعرية الحديثة، وصدرت مجلات وصحف شعرية وأدبية، وتعددت المنابر والأندية الثقافية، وظهرت تجارب عدد من كبار الشعراء اللبنانيين والعرب، كنت قد قرأت معظم هذه التجارب وعايشت جزءاً منها.

 

 إلا أنني وجدت في المشروع مناسبة لقراءة متأملة و«نقدية» وفي سياق حركتها وتفاعلها وتشكلها كـ«نصوص» وكمرحلة اكتسبت ملامحها وأبعادها خلال ما يزيد على نصف القرن».

 

وحول المفهوم الذي اعتمده عبود في هذا الكتاب أوضح «إن قراءتي لهذه النصوص والمؤلفات الشعرية التي ظهرت في هذه المرحلة، تتيح لي اختيار الشعراء الذين كان لهم حضور و«تأثير» واضح في الحركة الشعرية اللبنانية المعاصرة. إضافة الى عودتي الى الكتب والدراسات النقدية التي ظهرت بموازاة هذه الحركة.

 

ومع ذلك فإن قراءتي للشعراء، خلال عملي على إنجاز الكتاب، جعلتني ألتفت الى تجارب لم أعطها حقها في قراءاتي الأولى».

 

وعن مقاييس اختيار النصوص أضاف عبود أنه «يمكن تحديدها ـ  اختصاراً بالنصوص الأكثر تعبيراً عن تجربة الشاعر، والنصوص التي عُرفت للشاعر في الأوساط النقدية والأدبية، والتنوع الذي يعكس الأبعاد المختلفة لتجربة الشاعر، وفي بعض الأحيان إلقاء الضوء على بعض النصوص المهملة التي يمكن ان تشكل مستنداً إضافياً لقراءة الشاعر». 

 

وعن الصعوبات التي واجهها أثناء إنجاز الكتاب قال عبود «ثمة صعوبات ترتبط بالمسائل الأساسية لإنجاز العمل، منها: عدم التمكن أحيانا من الحصول على المجموعات الكاملة للشعراء، إذ لا يحق لي، أو لأي قارئ، أن يختار بناء لقراءة مجزوءة.

 

وقد لا تعبر هذه النصوص «المختارة هنا» عن شخصية الشاعر أو عن تجربته بالقدر الذي تعبر عنها نصوص أخرى تعذر الحصول عليها.

 

ومنها اضطراري، في بعض الأحيان، لاختيار نصوص لا أحبها أو حذف نصوص أحبها لكي أثبت النصوص التي تندرج في سياق تجربة الشاعر والتي تقدمه على نحو معبر».

 

 ومن الصعوبات الاخرى التي اشار إليها المؤلف «صعوبة الحصول على بعض الدواوين والمجموعات التي نشرت  أواسط الخمسينات أو في مطلع الستينات»، ولم يخفِ عبود تأثير ذائقته الشخصية في عملية اختيار القصائد لكنه أكد أن «الذائقة الفنية ليست شخصية تماماً.

 

وهي تعود، في جانب أساس منها، الى عامل موضوعي وهو علاقتي بالشعر، وقراءتي لمعظم الأعمال والمؤلفات التي شكلت ملامح تلك المرحلة «التي تناولتها المختارات»، وانخراطي بأشكال مختلفة و«متفاوتة» في الحوارات الثقافية والنقدية التي واكبت تطور الحركة الشعرية، الذائقة الفنية هي تحيز للنص الشعري، أعني «شعرية» هذا النص وتميزه في إنشاء حساسية ورؤية أكثر نفاذاً وتعبيراً.

 

وهي بهذا المعنى تغليب للعنصر الفني على العناصر الذاتية، أعني القائمة على علاقات شخصية، هذه الذائقة الفنية ليست إذاً مجرد انطباعات عابرة يمكن ان تشكل خللاً في الاختيار، بل هي عامل إضافي من شأنه تعزيز مصداقية الاختيار أو الأبعاد الأخلاقية ـ إذا شئت ـ في إصدار المختارات على النحو الذي جاءت فيه».

 

وحول الإشكالية التي تثيرها تسمية الحركة الشعرية اللبنانية، خاصة أن هناك الكثيرين من جنسيات أخرى أسهموا في إغناء هذه الحركة، كالشاعر السوري أدونيس، اضاف عبود «الحركة الشعرية اللبنانية استفادت من تجارب كثيرة كتوفيق الصايغ، وبدر شاكر السياب، ونزار قباني، ومحمد الماغوط، ومحمود درويش، وسعدي يوسف».

 

 وعن اختيار أدونيس ضمن الانطولوجيا أوضح عبود «أدونيس يحمل الجنسية اللبنانية منذ 25 عاما، وعاش في لبنان، وأصدر مجلة «مواقف» التي تعتبر احدى اكثر المجلات الأدبية والشعرية حضوراً في الثقافة اللبنانية وفي الأوساط الثقافية العربية. كما انه  من مؤسسي مجلة «شعر»، إضافة الى ان تجربة أدونيس الشعرية هي الاكثر تعبيراً عن تجربة الحداثة التي اكتسبت ملامح وأبعاداً خاصة في الحركة الشعرية اللبنانية.


ولذلك استثناء أدونيس من انطولوجيا الشعر اللبناني المعاصر لا تبرره سوى شوفينية بعض «الشعراء» و«الكتبة» في الصحف اللبنانية. * تُنشر بالتزامن مع صحيفة «السفير»  اللبنانية 

تويتر