طارق الطيّب: الشرق ليس دائماً «ألف ليلة وليلة»
|
|
يضع الروائي النمساوي طارق الطيب، السوداني الأصل، يده على الخلاف والانقسام بين الشرق والغرب، عازياً ذلك إلى أن «أغلب من كتب عن الشرق من الغربيين لم يسافر لهذا الشرق، ليرى بنفسه ما هو الشرق، والعكس أيضًا صحيح، وكثير ممن سافر من الطرفين كان محكومًا في الغالب بزيارات سياحية قصيرة وللعواصم فقط، وهذه عينة إخبارية ثقافية متحيزة وغير صادقة تمامًا، زمانياً ومكانيا، فلا الشرق هو ألف ليلة وليلة وشهرزاد، ولا هو النفط والبداوة والثراء، ولا الغرب هو موقع المرأة المتحررة المستباحة والتكنولوجيا الخيِّرة المتقدمة». وكان الطيب اختير، اخيراً، سفيرًا لعام الحوار الأوروبي للثقافات، حيث قدمته وزيرة الثقافة النمساوية في أبريل الماضي، في احتفالية كبيرة في النمسا، اقيمت لتنصيبه في هذا الموقع الفخري، فيما منحه الرئيس النمساوي الثقة بدعوته للقصر الجمهوري والتعرف إلى أدبه، في جلسة حميمة ضمت ستة أدباء وأديبات من النمسا، ثم اصطحبه معه ضمن الوفد الثقافي لزيارة مصر في العام الماضي.
ويعلق الدكتور الطيب على منح النمسا له هذه الثقة وتكريمه أكثر من مرة على الصعيد الأدبي، رغم انتقاده في أغلب كتاباته للمجتمع النمساوي، وفضحه لتعامل شريحة منه بصلف مع الأجانب، «إن هذا لم يؤثر سلبًا في نشري وفي كتاباتي وفي تعاملي في الوسط الأدبي النمساوي خصوصًا، والألماني ثانيًا، والأوروبي بشكل عام».
أصدقاء من ورق ويقول الروائي والشاعر الطيب انه في بداية انتقاله الى فيينا، صنع من الورق «أصدقاء له»، حيث عانى شروط الحياة التي وصفها لـ«الإمارات اليوم» بأنها «كانت فترة جِدَّ صعبة: من دون لغة ألمانية ومن دون أصدقاء، وفي مناخ طارد مؤلم لم أكن أتخيله. لم يكن أمامي سوى تبطين حالي باللجوء إلى الكتابة، بصنع أصدقاء من الورق على الورق؛ باستعادة الماضي القريب الذي بدأ يخبو ويبتعد».
ويصف الاستهتارين الإعلامي والفني من قبل بعض وسائل الإعلام الغربية بالشرق، بأن له أثراً مؤسفاً على الصورة العامَّة النمطية عن الجانبين والتي تتعمق للأسوأ، بمجرد ظهور أي ظاهرة عالمية لعداء أو كراهية، لتجد وقودها في هذه الإسفافات التي ما زالت تتكرر حتى اليوم.
ولم ينس الطيب مسقط الرأس مصر، حيث ولد وعاش من أب سوداني وأم مصرية من أصول سودانية، «صرت أكتب عن ربع القرن الأول الذي عشته في مصر، والذي يكاد يتلاشى من الذاكرة ليصبح حلمًا بعيد المنال. وأعتقد أنني أصَبْتُ حين قررت أن أتخلص من هاجس الحلم، كحلم بعيد المنال، لأجعل الماضي صورة مُلهمة في الذاكرة تُثري الحاضر. وأعتقد بأنني لم أخطئ حين قررتُ أن أحول الحنين إلى جذوة تقبس منها الكتابة من دون بكائيات».
كتابة جادة
وكان الروائي الطيب بدأ كتابته الجادة بعد عامين من وصوله فيينا، كما يقول، «وصلت إلى فيينا في يناير من عام 1984، بدأت النشر أيضًا في تلك الفترة في دوريات ـ مجلات وجرائد عربية أولاًـ فتعرفت بذلك إلى ناشريّ الأول والثاني، وتعرفت بالتدريج إلى جمع كبير من الأديبات والأدباء في أوروبا وفي العالم العربي، وأصبحت أنشر كتاباتي المترجمة إلى الألمانية في مجلات أدبية نمساوية وألمانية».
الكاتب الطيب الأكثر تمثلا للهويتين اللتين ينتمي إليهما عزا أسباب الخلاف بين الشرق والغرب إلى الجهل بمعرفة كل منهما الآخر «الجهل بالمجتمعات الشرقية من الغرب وفي الغرب، والجهل بالمجتمعات الغربية من الشرق وفي الشرق ينتجان تصورات غير صحيحة لكل منهما عن الآخر، ويتم نقل هذه الصور أو التصورات وتنميطها وتحنيطها لأجيال، بل والاستعانة بها في كل اشتباك وتصادم نظري بين الشرق والغرب، وقد يؤدِّي هذا لاحقًا «والتجارب تثبت تلك التحولات» إلى انتقاله من الاشتباك النظري إلى الاشتباك العملي».
وحمّل الطيب مسؤولية اتساع الهوة بين الشرق والغرب الى الأقلام التي تختار الصور المخالفة وتعميمها مشيراً إلى أن «الغالبية العظمى التي تكتب في الإعلام السريع والعابر تتخيّر عمدًا الصور المخالفة، وأحيانًا النادرة التي لا يمكن تعميمها، لتؤكد دومًا خلافات حادة بين «نحن» و«هُم»، رغم أن كثيرًا من الاختلافات الثقافية، في العموم، ما هي إلا مسألة طبيعية، لأنها خرجت عن سياقها المكاني والتراثي، فصارت نادرة أو غريبة في المكان الآخر أو «الذهنية» الأخرى».
متسائلاً في السياق ذاته «من منا هنا في الشرق حين يزور الغرب يخصص وقتاً كافياً لزيارة المتاحف والمعارض والحفلات الموسيقية ودور عباداتهم؟ بل من يفكر في زيارة الريف مثلاً والأحياء النائية والأمكنة التاريخية؟ ومن الزائر الذي يهتم، من قبل ومن بعد، بلغات هؤلاء الناس ويقرأ أكثر عن عاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم؟ من ذلك الفرد الذي يفهم أنه حين يزور المكان الغريب فهو الغريب هناك وليس المكان ولا الناس؟».
بين عالمين وعن حياته المُنقسمة بين عالمين يقول «ولدت في القاهرة في عام 1959 لأسرة سودانية من أب من مدينة «كوستي» الواقعة في أواسط السودان، وأم مصرية من أصول سودانية، غادرتُ مصر إلى فيينـا مباشرة وأنا في الـ25، ومازلت أعيش في هذه المدينة المثيرة منذ 24 عامًا، باختصار يمكن أن أقول إنني عشتُ في مصر ربع قرن وفي النمسا ربع قرن آخر، خروجي من مصر لم يكن خروجًا إلى منفى، بل قرارًا بإرادتي، رغم أن خروجي من القاهــرة، كان بفعل عوامل قاهرة لكنه كان اختيارياً، وأقول دائمًا إنني خرجت إلى منأى لا إلى منفى».
وعن بدايته في الشعر يشير الى التجربة التي اخذته الى مكان آخر «كتبتُ قصائد في المرحلة الثانوية متأثرًا بالحب الأول؛ قصائد كنت أقدمها لأصدقائي على أنها من شخص آخر لا يريد أن يذكر اسمه، فصار الأصدقاء يشغفون بقصائد هذا المحب العاشق ويسألون عن قصائد جديدة، لكنني لم أشِ به لهم أبدًا، وكنت سعيدًا بهذا القبول منهم. كان الاعتقاد حينذاك ما زال ساريًا بأن الكتابة في هذا النوع من الأدب يُعتَبَر «قلة أدب»»، ويضيف «من عام 1990 إلى عام 1993 كان قد نُشِر لي أكثر من 20 قصة. ضمت أول مجموعة منها 19 قصة قصيرة، قدم لها الطيب صالح، وهي المجموعة المعنونة بـ «الجمل لا يقف خلف إشارة حمراء» (القاهرة، 1993)». ارتباك فوتوغرافي نشرت «الإمارات اليوم»، في هذه الصفحة ، في عدد أمس السبت، حوارا مع الروائي المصري محمد جبريل، لكن ارتباكاً فوتوغرافياً، وتقنياً، جعل الصورة التي أرفقت بالحوار للدكتور محمد حافظ ديأب من مصر، مما اقتضى هنا التنويه، والاعتذار من الكاتبين، ضيفي ملتقى الشارقة للرواية، الذي اختتم أخيراً. |