أمين صالح: السيناريست يقدم تنازلات كـثيرة

 

رحلة مستمرة من نوع كتابة إلى آخر، بدأها الكاتب البحريني أمين صالح الذي يحضر حالياً مسلسل (هديل الليل)، من انتاج الفنان الإماراتي أحمد الجسمي، واخراج أحمد مقلة، بدأ بالقصة فالرواية فالمسرح فالنص فالسيناريو، واحياناً المقالات، وبعض الترجمات، فقدم للقارئ العربي تشكيلة متنوّعة من المؤلفات التي كان يطمح ان تغيّر شيئاً في سلوك وواقع البشرية، على حد تعبيره، السينما هي الحبيب الأول الذي لم يستطع أي نوع من الفنون الأخرى ان يحل مكانها، على الرغم من قلتها، فهو يؤكد «السينما حبيبتي والتلفزيون زوجتي»، مضيفاً «ان المسلسلات لم تأخذني من السينما، لأنه، وباختصار، لا توجد سينما في البحرين اطمح ان اكتب لها سينمائياً»، وأضاف في حوار لـ(الإمارات اليوم) «عشقي للسينما لا يوصف، والفارق بيني وبين غيري انني كنت اعيش واقعها»، لأن واقع السينما حسب وصفه «هو الواقع الذي احلم ان اعيشه، وهو البديل عن الحياة الروتينية والرتيبة التي نعيشها جمعياً». ويعود صالح الى روايته (رهائن الغيث) موضحاً «ان واقع السينما بالنسبة إلي هو الواقع الحقيقي، والواقع الذي نعيشه هو واقع عرضي، وسينتهي عاجلاً او اجلاً»، وحول الإحباطات التي تقود اليها هذه الفكرة، قال صالح «ان الفنان، بشكل عام، يصل دائماً الى حالة من اليأس والإحباط، لكن القدر يبعث له من يحفّزه، ويثير حماسته، حين يسأله اين هو؟ واين اعماله؟، فيعود، وكله امل، الى ان يصاب باليأس مرة أخرى، فيأتيه آخرون ليثيروا فيه الحماسة من جديد.. وهكذا».

 

 التثقيف الذاتي

ويقول صالح ان عشقه للسينما جعله يبحث في تفاصيلها، و«البحث عن الأشخاص الذين يصنعون الأفلام كالمؤلف والموسيقيّ والمونتير وانتهاء بالمخرج»، مشيراً إلى ان ذلك جعله كما يقول «اقرأ كثيراً، واتعمق في بواطن السينما، لأني منذ اللحظة الأولى قررت ان امارس السينما، واكتشفها اكثر»، مضيفاً انه فكر ان يدرس السينما عام 1974، وسافر مع مجموعة من الأصدقاء لدراستها في باريس، معترفاً بأنه «كان غباء مني ان اذهب الى هناك، لأني علمت انه يجب عليّ دراسة اللغة الفرنسية اولاً، والالتحاق بمعهد السينما ثانياً»، لكن الشغف، حسب وصفه «يلازمه نوع من البراءة والسذاجة والحماقة ايضاً»، ويستذكر المخرج البحريني «درست شهرين اللغة، لكن الظروف لم تسمح لي بإكمال الدراسة، وعدنا خائبين، واكتفيت  بالقراءة والمشاهدة الى عام 1989»، ليفاجأ صالح في ذلك العام بالمخرج البحريني بسام الذوادي يعرض عليه كتابة سيناريو لفيلم (الحاجز)، الذي يعتبر اول فيلم روائي بحريني طويل، والذي عرض عام 1990 في مختلف المهرجانات العربية والدولية.

 

 التلفزيون والسينما

انتقال صالح للكتابة في التلفزيون لم يأت بمحض المصادفة، وبعد ان كان الأول في تقديم السينما في البحرين من خلال فيلم (الحاجز) مع المخرج البحريني بسام الذوادي، جاء التلفزيون تعويضاً عن غياب السينما، ويقول صالح «في هذا الانتقال كان يجب علي فهم انني سأتوجه الى جمهور اوسع، وخلفيات ثقافية واجتماعية مختلفة»، مؤكداً انه ينظر إلى التلفزيون «كشكل تعبيري، بصري وسمعي، يستدعي لغة مختلفة تماماً عن اللغة المكتوبة في الأدب والمسرح» وأضاف كاتب مسلسلات ( نيران، وعيون من زجاج، و321 أكشن) «أن العناصر البصرية والسمعية تقتضي تعاملاً مغايراً، من حيث الأسلوب والرؤية وتوظيف المخيلة، إضافة إلى أن الصورة الدرامية تخضع لقراءة وتأويل مختلفين عن قراءة وتأويل الصورة الأدبية». وعن الفارق بين الكتابة الروائية والتلفزيونية، يقول صالح «كاتب النصوص الدرامية لا يكون حراً، كما في كتابته للرواية»، موضحاً «ان كاتب السيناريو يقدم تنازلات كثيرة على الصعيد العملي، لأنه وبكل بساطة تأتيه تدخلات من جهات  عدة، كالرقابة والمنتجين والممولين في العمل، مما يضطره الخضوع لرغباتهم»، مضيفاً اننا «يجب أن نعي الاختلافات في جوهر وطبيعة وآلية ولغة وعناصر هذه الأوساط أو المجالات الفنية، ونتعامل مع كل مجال بوصفه مغايراً ومستقلاً، وبالتالي يكون تقييمنا أيضاً مختلفاً».

 

 غياب الدراما

ويرى صالح ان السبب وراء غياب الدراما البحرينية جماهيرياً يعود الى غياب التسويق، «لم يكن التسويق لأعمالنا يتم بشكل جيد، ولم تكن تعرضها المحطات بشكل جيد ايضاً»، مؤكداً انه و«بمجهودات فردية من الكتاب والمخرجين في البحرين استطعنا ان نخرج خارج حدود البحرين»، مشيراً الى انه «في السنوات الأربع الأخيرة اصبح لدينا تبادل في الكوادر مع دول الخليج، فأصبح انتشارنا على الصعيد الخليجي جيداً مقارنة بالسابق»، وانتقل صالح الى ان السبب الثاني برأيه في عدم جماهيرية الأعمال البحرينية يعود الى ما يسمى (المنتج المنفذ)، موضحاً «ان غالبية المنتجين المنفذين في البحرين هم ممثلون لديهم شركات انتاج خاصة»، مضيفاً ان هذا الممثل «يعتمد على متانة علاقته بفريق العمل، فيختار النص الرخيص والممثلين الأصدقاء الذين لن يطالبوا بالكثير، والمخرج الذي يكون ايضاً صديقاً للممثل»، مشدداً على ان «المنتج المنفذ الذي يجب ان يكون مشجعاً للعمل الجيد اصبح مدمراً لكل شيء جميل».

 

المُشاهد البحريني

ورغم انفتاح الثقافة في البحرين على الثقافات المختلفة واندماجها مع المؤسسات المجتمعية، على كل مستوياتها، الا ان صالح يرى ازمة ثقة بين الجمهور البحريني ومبدعيه «العلاقة معقدة بين الجمهور البحريني ومبدعيه؛ بسبب وجود حالة سايكولوجية»، موضحاً ان «المشاهد في وطني لا يحب رؤية فنان بحريني معروف ومشهور الا اذا فرض عليه»، مشيراً الى انه «حين يتم عرض مسرحيات تجارية خليجية ذات مستوى متدنٍّ، يلاحظ اقبال جماهيري كبير، مقارنة بالمسرحيات التجارية البحرينية».

 

مشدداً على «انني اذكر المسارح التجارية وليست الجادة منها التي لا يوجد عليها اقبال ابداً، ولا يأتيها احد بطبيعة الحال»، مؤكداً ان «الجمهور البحريني يختلف عن الجمهور الخليجي الذي يدافع عن فنه وادبه وبينه وبين الفنان ينتقده، ولكنه يرفض ان يأتي النقد من خارج حدوده»،  مشبهاً الجمهور البحريني «بالجمهور الإنجليزي القاسي مع نجومه، والدليل ان نجومهم جميعهم في اميركا، بعكس الفرنسي الذي يحترم نجومه ويقدرهم».

 

مشيراً الى «وجود نصوص كثيرة لكتاب قدماء وجدد في البحرين، ولكن لا توجد لجنة للدراما حتى الآن».
 
تجربة مشتركة

يقول المخرج بسام الذوادي عن تجربته مع امين صالح، في أول فيلم بحريني، ان «أمين صالح ذلك الإنسان الذي عشق السينما وعلمني عشقها، هو المحطة الحقيقية الأولى في حياتي السينمائية، فبه دخلت البحرين عصر السينما، عندما قدم لي سيناريو أول فيلم روائي بحريني بعنوان (الحاجز)، وبعد ذلك بسنة قدم بالتعاون مع الشاعر قاسم حداد سيناريو فيلم «الفراشات لا تحلم هنا»، وأضاف «عندما يهديني أمين صالح فيلماً سينمائياً، لا يكون ذلك من أجل المشاهدة فقط، وكأنه يضمن هديته رسالة تحوي: الجدية والرقي والفن الصادق والالتزام، وكأنه يريد أن ينير لي الطريق». 

الأكثر مشاركة