الكذب.. سلوك يومي يحمل أسماء عدة
|
|
تترافق مع فكرة الكذب الكثير من المعاني والانفعالات السلبية التي تقابل غالباً بالاستهجان، رغم تعامل المرء مع الفكرة يومياً، بصرف النظر عن المسمى الذي يمكن أن تختفي تحته، فبين مجاملة، أو تفادٍ لمشكلة، أو مجرد محاولة بريئة لإرضاء النفس، يجد المرء نفسه في مواجهة فكرة مجردة للكذب بأسماء تبريرية كثيرة، غالبا ما يرى البعض ازدياد الحاجة لها مع الانتقال من حالة العزوبية إلى الزواج، لاعتبارات الافتقار للخصوصية أو على الأقل نقصانها.
لم يكن لأم أحمد، (48 عاماً) من الشارقة شك في نزاهة زوجها أو وفائه لها على مدى 15 عاماً من الزواج، إلا أنها تعترف بأن صورته المثالية التي استطاع خداعها بها والحفاظ عليها خلال هذه السنوات، كسرت تماماً في لحظة واحدة، كانت بالنسبة لها «الأبشع»، تقول، «كنت ولا أزال مغرمة به وأثق بحكمه ورأيه في جميع أمور الحياة، إلا أنني في الوقت ذاته أعلم بأنه أكثر الرجال خيانة، الأمر الذي اكتشفته في إحدى رحلاتنا خارج الدولة، مشيرة إلى أنها وفي المرة الأولى التي رأته مع فتاة شابة، أكد لها أنه كان يرشدها إلى أحد المحال، إلا أن الصدمة كانت حين فاجأته في حجرة نومهما مع الفتاة ذاتها».
وبعد عقدين من الزواج، لا تزال أم أحمد تعاني من خيانة زوجها اليومية لها، إلا أنها تبررها، بواقع أنها لم تعد تعطيه من حقوقه الزوجية ما يحتاج، كرد فعل طبيعي لسلوكياته غير اللائقة، مشيرة إلى أنها «وبعد سنوات من الزواج الذي تعتقد أنها أعطته أكثر مما يستحق، أصبحت قادرة على استشعار الكذب في زوجها، ومعرفة تماما الأجزاء المخادعة والأخرى الحقيقية في ما يقول»، مشيرة إلى أنها تعيش حياتها بنزاهة وصدق وحب حقيقيين لزوجها، وأنها لا تحتاج للكذب عليه في أي من الأمور الحياتية، كونها لا تخاف غضبه أو انزعاجه، «لطالما يقوم بما يحلو له في لياليه الخاصة، فإن الكلمة الأولى والأخيرة في المنزل هي لي وحدي».
أنا زوجة تكذب ورغم الزواج الذي استمر لغاية الآن 18 عاما بين (أ. ب) وزوجها، إلا أنها تؤكد أنها وحتى هذه اللحظة لا تستطيع معرفة كذب أو صدق زوجها، «لدرجة أنني كنت أعتقد بأن زوجي يكذب حين أخبرني بقراره الزواج من أخرى»، معترفة بأنها كانت المرة الأولى والوحيدة التي تمنت أن يكذب فيها زوجها، إلا أنها في الوقت ذاته، تعترف بأن الكذب سلوك حتمي ومهم خلال العلاقة الزوجية، «فلن أدعي المثاليات في قولي أن الكذب أمر سيئ وأن زواجي مبني على التفهم والتقدير والاحترام المتبادل، فالواقع أمر مختلف تماماً، وبعيد كل البعد عن نظريات الكتب».
وتضيف قائلة، «أنا زوجة تكذب، لأنني لا أعيش زواجاً مثالياً، وأعتقد أن أغلب الزوجات يكذبن على أزواجهن، رغم تفاوت درجات الكذب، وبالنسبة إليّ، فأنا أحتاج للتنفس والخروج مع أخواتي وأسرتي في أحيان كثيرة، بينما عادة ما يمنع زوجي خروجي، الأمر الذي يضطرني الكذب عليه، بينما أكذب أحياناً في مكان خروجي، أو رفقتي، كوني أعلم من يفضل زوجي خروجي معها من صديقاتي ومن لا يفضلهن»، مبينة أنه رغم سوء الكذب واعتباره تصرفاً سلبياً، «إلا أنه مفيد في أحيان كثيرة، وغالباً ما يقيني من مواجهة زوج عنيف وشديد العصبية».
ويؤكد (ص. م. 40 عاماً) من الشارقة، على أهمية الثقة بين الزوجين، «فلا يمكنني أن أتزوج من فتاة لا أثق بتصرفاتها أو بما تخبرني به، فبهذه الحالة لن أحتمل فكرة تركها والذهاب إلى العمل، أو خروجها وحيدة، أو أي شيء قد تخبرني به، الأمر الذي لا يمكن أن ينجح خلال العلاقة الزوجية، معتبراً أن الخطوبة فرصة مهمة ورئيسة للتعرف إلى الطرف الآخر والتأكد من نزاهته وصراحته، معتقداً أنه، «ليس من الخطأ التقصي والبحث والتأكد من نزاهة الشريك قبل الزواج، كي يكون مرتاحا وبعيدا عن مشاعر الشك لاحقاً، فإثباتي لنزاهة وصدق خطيبتي في حالات فترات مختلفة سيجعلني واثقاً بها وبنزاهتها لاحقا، وسأبني بالتالي علاقتي معها على هذا الأساس»، معترفاً أنه تزوج من أكثر الفتيات صدقاً وصراحة، «وعلى الرغم من أنني تأكدت من صدقها معي ووفائها لي قبل زواجنا، إلا أنني وحتى هذه اللحظة لم أعترف لها بأنني قمت بذلك، بل احتفظت بمعلوماتي لنفسي، ونحن الآن زوجان سعيدان واثقان من بعضنا بعضاً وبعيدان تماماً عن الخداع أو الكذب».
الكذب أنواع يرى اختصاصي الطب النفسي علي الحرجان، أن الكذب عامة وبين الأزواج خاصة، هو «سلوك يدل على وجود اضطراب في العلاقة، وهو سلوك خطير يؤثر سلباً في استمرارية العلاقة بين الطرفين وعنصر الثقة المتبادلة، خصوصاً إن ارتبط الكذب بحجمه أو الموضوع الذي يرتبط به، أو باستمراره، أو تعمده، أو العناصر الثلاثة معا»، مشيراً إلى أن للكذب أسماء وتبريرات كثيرة، فهناك من الرجال من يكذب لتفادي جدال بسيط مع الزوجة، «فيخبرها بأنه تعطل في العمل بدلاً من إخبارها بأنه تناول العشاء مع صديق له، أو أن يخبرها بأنه لم يجد ما تطلبه في السوق بدلاً من أن يخبرها بأنه نسي ذلك»، إلا أن هناك أنواعاً أخرى من الكذب اعتبرها الحرجان غير مبررة، «والتي تتجسد في الكذب لمجرد إرضاء الذات والسهر خارج المنزل والمتعة والإقدام على سلوكيات غير لائقة»، وهو الكذب الذي يتسبب انكشافه بخلق شرخ كبير في العلاقة الزوجية بين الطرفين.
وينصح الحرجان، أن يتعامل كلا الطرفين بصراحة وصدق منذ اليوم الأول من الزواج، «حيث تعود المرأة زوجها، ويعود الرجل زوجته على أن يخبران بعضهما ما يجول بداخلهما، الأمر الذي يحتاج قدراً من الشجاعة والجرأة التي سيتعود عليها كلا الطرفين لاحقاً في العلاقة»، مشيراً إلى أن هذه الطريقة ستجعل من السهل على الطرفين تفهم احتياجات ومشاعر بعضهما بعضاً، وأن يقدرا أهمية المساحة الشخصية جانب الخصوصية الذي يحتاجه كلاهما، معتقداً أن الدبلوماسية والمجاملة أمر مهم أيضاً في الزواج، «فاختيار الكلمات المهذبة غير الجارحة أمر مهم بين الزوجين، فيمكن للزوج أن يقول لزوجته إنها تبدو قبيحة بقصة الشعر الجديدة جارحاً إياها، بينما يمكن له في الوقت ذاته أن يخبرها بأن القصة جميلة ولكنها كانت تبدو أجمل قبل ذلك، أو أنه يفضل عليها الشعر الطويل».
وينصح الحرجان الأزواج بأن يتركوا للطرف الآخر مساحة للخطأ، والنسيان، والهفوات، «فالإنسان لن يكون يوماً ما مثالياً، ولن يكون من المنطقية أن يعتقد الزوج أو تعتقد الزوجة أن الطرف الآخر مثالي ولا يفترض به الخطأ، فترك مساحة للهفوات والزلات أمر سيجنب كلاهما المشكلات»، مؤكداً أن اعتماد الصراحة والتفهم وتقدير الظروف بين الأطراف، سيعزز الصدق لدى الأبناء أيضاً، وسيجعل من السهل على الابن أو الابنة اللجوء للأم والأب في وجود المشكلات أو في حال النصح، بدلاً من اللجوء إلى أفراد آخرين، قد يقدمون أجوبة خاطئة أو مضرة.
كذب المرأة والرجل بينت دراسة أميركية جديدة، أن أغلب الأفراد يكذبون خلال محادثاتهم اليومية، بهدف الظهور بمظهر مقبول للطرف الآخر، ولمجاراته، حيث كشفت الدراسة أن 60% من 121 شخصاً من الذين طبقت عليهم الدراسة أقدموا على كذبتين أو ثلاث كذبات على الأقل خلال محادثة من 10 دقائق، وذلك بناء على الدراسة التي قام بها الطبيب النفسي في جامعة ماساتشوسيتس روبرت إس فيلدمان، وهي النتائج التي اعتبرها مفاجئة، «لم نعتقد أن الكذب سلوك شائع لهذه الدرجة بين الأفراد». وبينت الدراسة أيضاً أن أنواع الكذب تتفاوت بين الرجال والنساء، بالإضافة إلى مضمونه، وليس في تكراره، مشيراً إلى أن «الرجال لا يكذبون بدرجة أكبر من النساء كما هو متعارف عليه، إلا أنهم يكذبون بطرق مختلفة، حيث تكذب النساء عادة لجعل الطرف الآخر في المحادثة يشعر بشعور أفضل، بينما يكذب الرجال عادة ليظهروا أنفسهم بشكل أفضل»، مبينا أنه «رغم أننا نطلب من أبنائنا أن الصدق هو الفضيلة المثلى، إلا أننا في الوقت ذاته نعلم أطفالنا أنه من التهذيب أن ندعي إعجابنا بهدية الميلاد على سبيل المثال، ما يجعل الأطفال في مواجهة رسائل إرشادية مشوشة ومتناقضة، مما يؤثر في تصرفاتهم كراشدين». |