كتاب المرحلة
لا أدري على وجه الدقة لماذا يقع الكتاب والمبدعون في نشاط الحروب المستعرة بين الدول والحكومات والسياسيين؟ وما هو المبرر الحقيقي وراء التحاق بعضهم بمعسكرات القادة، على حساب حريتهم الثقافية ومشاريعهم الإنسانية، تاركين خلفهم الأقوال والأسئلة اضافة الى علامات تعجب لا حصر لها.
يعرف السياسيون جيداً أن قوتهم لن تكون كاملة إذا بقيت ذات شقين عسكري ومادي، ولهذا تسعى تياراتهم الى استمالة الكتاب والاستفادة من أقلامهم المتعاونة في دعم وجود القادة وتلميع صورهم والدفاع عن نزاهتهم،مقابل منحة شهرية أو سنوية، واعتراف بأنهم من قادة التغيير أو قادة «المرحلة».
وحين نصل الى مفردة «المرحلة» نجدها واضحة في الحوارات والندوات وبرامج الفضائيات العربية التي تستضيف الكتاب في برامج تستطلع فيها الرأي والرأي الآخر، في حلقات يُضطر فيها الكاتب إلى الدفاع عن سياسة قادته وحشد الكثير من الغايات النبيلة الملونة بالدماء لإقناع الكاتب الآخر وكذلك الجمهور، بأن مشروع قادته يتلوى ما بين النهضة والحرية والتحول نحو الديمقراطية. في ما يطلق الآخر في رده جملة من الشعارات التي تتشابه مع شعارات الأول، مع اختلاف بسيط يكمن في لعبة النشاط اللغوي لا غير.وفي ضوء ذلك يمكن أن نفهم لماذا يتخفى السياسي وراء «الكتبة». ولماذا يأخذ بعض الكتاب أيضاً دور الاسماك القذرة التي تنظف الاحواض من مخلفاتها.
هل هذا هو دور الكتاب في هذه «المرحلة الملتبسة»؟ وهل اصبحت المفاهيم الفكرية والابداعية والفنية مجرد أدوات تجميلية لهذا المشروع السياسي أو ذاك، بعد أن فشل أصحابها في تأكيد دورهم الثقافي في المجتمع؟
أسئلة كثيرة تنهض في وجه هذه الأزمات المركبة، وفي المقابل تختفي التحليلات وتختفي الاجوبة. ألم يكن الكتاب ضمن مشاريع عبدالناصر بحسب المرحلة ثم السادات وصدام حسين، وأخيراً الشيخ الحريري والسيد حسن نصر الله بحسب المراحل التالية؟
الى أيام قليلة فقط كنت اعتقد أن هذا النشاط التعبوي لا يمارسه إلا الكتاب العرب، الى أن وقعت بين يدي مراجعة مهمة لكتاب «المخابرات الأميركية في الحرب الباردة الثقافة» قدمها الكاتب عبدالعظيم أنيس، وقد هالني أن كتاباً وشعراء وفنانين مثل: ستيفن اسبندر، وآرثر كوستلر،وأندريه جيد، وأندريه مالرو، وهوارد فاست، وبيكاسو، وتشارلي شابلن، إضافة الى عدد كبير من الأسماء قد وقعوا في مطب تغذية الحروب الساخنة والباردة على حد سواء، وكانوا مثل دمى تحركها أصابع الرمز السياسي في جلساته الحزبية متى شاء. كنا نسمع من يقول «إن على الكتاب أن يكونوا في المقدمة» ! أما الآن فإننا نرى الكثير من الكتاب يركضون ويلهثون وراء قطار السياسة حتى مقطع النفس، لعله يشفق ويحشرهم في العربة الأخيرة من القطار، مثلهم مثل «المخزون»، والمؤسف أنهم دائماً في المشهد المنصرم ولهم صلاحية استخدام محددة تمضي في طريقها، لأنها لا تتناسب مع جديد «المرحلة».
zeyad_alanani@yahoo.com |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news