«سيرة لاجئ».. توثيق ليوميات النكبة
|
|
شبيرو آدم أميركي ممنوع من دخول فلسطين بعد أن أقام فيها نحو أربع سنوات أو حتى ما يسمى بـ«إسرائيل» بسبب نشاطاته في مجال حقوق الإنسان، كان أول من كسر الحصار الذي كان مفروضا على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بعدما دهس الاحتلال رفيقته في حركة التضامن الدولي التي أسهم في تأسيسها راشيل كوري، سخر جهوده مع الشاب الفلسطيني أصيل خيري منصوروفتاة فلسطينية تحمل جواز سفر كندياً هي بيرلا عيسى من أجل إفراز مبدأ جديد للمقاومة أكثر مناسبة لواقع ما بعد مرور العام 60 على ذكرى النكبة، فقرروا أن ينجزوا فيلماً وثائقياً يشارك في صنعه أطياف المنكوبين كافة على اختلاف بلد اللجوء وأسبابه فكان مشروعهم ذو الأجزاء الستة «سيرة لاجئ» الذي أتموا جمع كافة مفردات مادته الوثائقية وتمكنوا بالفعل من إنجاز جزئه الأول «يوميات النكبة»، مفجرين عدداً من القضايا لشعب لا مجلس شعب حقيقياً له أو برلمان واقعي لأنه ببساطة مُهَجَّر قسرياً. اعتمد الثلاثي في تمويل عملهم على إمكاناتهم الذاتية، فضلاً عن التبرعات الفردية، وسافروا إلى 15 دولة من أجل الالتقاء بأكبر قدر ممكن من الفلسطينيين فسجلوا 500 ساعة كاملة، تم اختزالها في تسع ساعات لتكون بمثابة شهادات لمنكوبين ذاقوا وما زالوا عبر 60 عاماً مذاق النكبة بنكهات مختلفة باختلاف ظرف تاريخي متغير لأنهم - حسب مخرجي العمل- الطرف الأضعف في أيدي صناع التاريخ.
«الإمارات اليوم» التقت بآدم وأصيل وبيرلا الذين أقاموا في منطقة البرشا بدبي لنحو 10 أشهر من أجل تفريغ المادة الوثائقية وإتمام إنجاز أعمال المونتاج وتسجيل المؤثرات الصوتية و الترجمة للجزء الأول من الفيلم ليكون مكتملاً مع ذكرى النكبة، فيما بقي في جعبتهم خمسة أجزاء أخرى وعدوا بتجهيزها للعرض تباعاً.
وبالإضافة إلى الانشغال بهم القضية الفلسطينية كما يصفونه فإن صناعة الأفلام الوثائقية هي جامع آخر للثلاثي، فبيرلا عيسى سبق لها إخراج «العرب والإرهاب» في ثلاثة أجزاء عرضتها قناة العربية الإخبارية وأيضاً «النهر البارد»، وهو أحد الاهتمامات الأساسية لأصيل أيضاً الذي يعمل أساساً في مجال تقنية المعلومات، حيث أخرج عدداً من الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة التي شارك ببعضها في مهرجانات عربية ودولية، أما شابرو آدم فقد أخرج في ما يتعلق بالقضايا العربية «حول بغداد»، و «مذكرات دارفور».
آدم وبيرلا وأصيل أهدوا الفلسطينيين «يوميات النكبة» في ذكراها الـ60. تصوير : إكسافير ويلسون
إقرار
في هذا الإطار يقول أصيل: معالجة قضايا تتناول الهم الإنساني في جوهر اهتمامنا كمخرجين شباب، وبالنسبة لي فكوني فلسطينياً أحمل جواز سفر أردنياً فإن هم اللاجئ الفلسطيني هو أهم همٍّ أولى بالمعالجة، ومن هنا انطلقت فكرة مشروع الفيلم الوثائقي الذي يرصد ويطرح تساؤلات حول حاضر ومستقبل هذا اللاجئ الذي يتعرض لنكبات مستمرة جديدة رغم مرور 60 عاماً على نكبته الأولى».
حدود
ويضيفان: «هذه الأوضاع المأساوية كانت محركنا الأساسي مع أصيل من أجل إنجاز فيلم مهم يتحدث فيه أصحاب النكبة أنفسهم عن أنفسهم ليوثقوا ما حدث ويحدث كل يوم وليطرحوا أسئلتهم الحقيقية من أجل الوصول إلى حل فلسطيني بعيداً عن شعارات الساسة وأوهام طاولات المفاوضات التي لا تنفض».
وفي هذه الفكرة يضيف أصيل: «جوهر العمل أنه يمثل المحاولة الحقيقية الأولى التي يتم فيها الاستماع بشكل دقيق للبوح الفلسطيني بتنوع أطياف المكلومين وشرائحهم الاجتماعية والثقافية والعمرية، وأيضاً بلد اللجوء حيث حصلنا على شهادات من فلسطينيين لاجئين في 25 دولة، رغم أننا قمنا بالتسجيل في 15 دولة فقط، لكن المفيد أن حقائق العمل مستمدة فقط من هؤلاء الذين يشعرون أن لا صوت لهم سواء في سجنهم بالداخل في غزة والضفة، أو داخل ما يسمى بإسرائيل أو في بلاد اللجوء.
وتلتقط بيرلا من جانبها خيط الحديث لتضيف: «حاولنا إثارة الأسئلة الكبرى المتعلقة بأوضاع ومستقبل اللاجئين المترتبة على نكبة 48، عبر ستة محاور أساسية توصلنا إليها من خلال فرز وتمحيص المادة التي قمنا بجمعها على مدار نحو عام كامل من على ألسنة أكثر المعنيين بأوضاع الفلسطينيين، وهم الفلسطينيون أنفسهم الذين تعرضوا للطرد والتهجير القسري والقمع؛ لذلك كان هناك إصرار واضح من فريق العمل من أجل تسليط الضوء على أصحاب المعاناة وليس مجرد المتحدثين عنها».
وفي ما يتعلق بحجم الصعوبات التي واجهها الفريق أثناء إنجاز الفيلم قال أصيل: «كنا ندقق في استخراج التصاريح الرسمية من أجل التصوير في كل بلد نسجل فيه، ولم نجد كثير ممانعة في هذا المجال، لا سيما وأننا اعتمدنا على كاميرا ديجيتال محمولة لأن الهدف ليس مجرد إخراج عمل بشروط سينمائية أو فنية فقط، بل البحث عن حقيقة ورصدها دون البحث عن حقيقة ما معروفة مسبقاً»، مشيراً أيضاً إلى «أنهم وجدوا تفاعلاً وتعاوناً من فضائيات ودور نشر عربية وأوروبية استعانوا بأرشيفها من المادة المصور، أما الإشكالية الكبرى فكانت متعلقة بمدى اقتناع الفلسطينيين الذين سجلوا شهاداتهم بالفيلم بأهمية العمل نفسه.
يوميات النكبة
سعى المخرجون الثلاثة في هذا المحور إلى الاستغراق في شهادات أولئك الذين دمرت بيوتهم ومُحيت قراهم بالكامل ورحلتهم في النزوح إلى أرض اللجوء سواء في الداخل عبر نزوحهم إلى الضفة الغربية وغزة أو إلى الأردن ومصر ولبنان وسورية وغيرها من البلاد العربية وكذلك الغربية، في رحلة تشتت شعب وضياع أرض ترصدها كاميرا تسعى لالتقاط شهادات عن واقع تم فرضه قبل 60 عاماً.
النكبات اليومية
فبعد تهجير 48 يأتي تهجير نكسة 67، ثم أحداث مخيم الكرامة عام 68، دون أن يسلم من لجأ منهم غرباً من التيار المتقلب نفسه مستعرضاً طرد الفلسطينيين من ألمانيا بعد عملية ميونخ، لتعود الكاميرا لترصد شهادات معاصري أحداث تل الزعتر بلبنان، ثم مجزرة صابرا وشاتيلا العام 82، مروراً بحرب المخيمات ما بين عامي 85-87 و جاءت على لسان لاجئة معمرة بلغت عامها السادس بعد المائة، وتعيش في مخيم اليرموك بسورية حول أحداث مجزرة قرية الطنورة الساحلية جنوب حيفا التي ارتكبها جيش الاحتلال العام .48 وطن بلا هوية تختزل الرؤية الإخراجية للثلاثي مفهوم الهوية في صيغته الاصطلاحية التي تشير إلى جواز سفر المواطن، وما يترتب عليه من حقوق والتزامات متبادلة بين الوطن مانح الهوية والمواطن حاملها، ليتطرق من خلال هذا المفهوم إلى مشكلات ضياع حقوق اللاجئين الذين يتم التعامل معهم في بلد اللجوء إما على أنهم فاقدي الهوية. هوية بلا وطن
حكي العودة تعمد المخرجون الاتكاء على إيحاءات المفردة «حكي» وما تشير إليه من أحاديث لا طائل من ورائها، رغم أن المحتوى الثابت لها يمثل حقاً مشروعاً وليس مجرد حكي، في غمز مباشر للكم الهائل من مشروعات عودة المهجرين وعودة اللاجئين التي يستعرضونها في هذا الجزء موردين شهادات جديدة وموثقة ونماذج مختلفة لفسلطينيين حاولوا الوصول إلى هذا الحق بطرق بعيدة عن «حكي» المفاوضات.
وغيرها من الاستفهامات المؤرقة التي لا إجماع على إجابة عنها حتى اللحظة. يذكر أن المخرجين الثلاثة سوف يقومون بالتزامن مع الذكرى الـ60 للنكبة بعرض «يوميات النكبة» في عدد من الدول العربية والأوروبية في الوقت الذي بدأوا فيه أيضاً طباعة الاسطوانات المدمجة الخاصة به.
|