فوضى الفتاوى
فوضى الفتاوى لا تأتي إلا ممن لم يشم أنفه الفقه، وهم الذين يتفيهقون وليسوا من أهله، فيفتون بأهوائهم وآرائهم وفهمهم الخاص الذي قد يصادمون به نصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم، وكم سمعنا ونسمع من هؤلاء بين الفينة والأخرى! وإذا قيل لأحدهم: إن هذا ليس من الفقه المعتبر، لربما قال: إن أولئك رجال ونحن رجال، أو أن فهم الإسلام لا يقتصر على شخص دون آخر، ويضل نفسه بذلك، ويضل غيره عن سواء السبيل، وسبب ذلك أنه وجد من يسمع له أو ينشر أو ينقل له ما يخيل إليه أنه علم، وهو بذلك يَضل ويُضل، وهذا ما حذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» كما أخرجه البخاري. وكم نود أن يفهم الناس جميعاً شرع ربهم وكتابه وسنة نبيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك من واجبات الدين، وأجل العبادات لرب العالمين، ولكن ليس بمقدور كل أحد أن ينال ذلك لما يقتضيه من التفرغ والتخصص ونباهة الذهن وتوفير السبل والوسائل، ولو أن الناس كلهم قاموا بذلك لتعطلت المعايش وفسدت أحوال الناس المادية، وهذا مما لم يكلف الله تعالى به عباده، لذلك كان المطلوب أن تنفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون. وإذا كان فقد العلم وغياب العلماء من أشراط الساعة، كما أخرج البخاري في الصحيح من حديث أنس رضي الله تعالى عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا».
وفي رواية: «من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل ويظهر الزنا وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد». فإن ذلك لا يعني التسليم بالأمر الواقع مادام في الأمة أُلوا بقية ينهون عن السوء ليكون معذرة لهم عند ربهم، فالواجب على وسائل الإعلام، ولا سيما القنوات الفضائية أو المحلية، ألا تسمح لغير أهل الاختصاص فإنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فهي مسؤولية الإعلام بالدرجة الأولى ومسؤولية الحكومات ثانياً التي تسمح لهذه الوسائل بإظهار غير أهل الاختصاص، ومسؤولية المسلم الذي سمح لنفسه أن يسترخص دينه بسؤال غير ذي ثقة، وقد قال بعض السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم. وكان عليه ألا يأتمن على دينه من لو كان يسأله عن دنياه أو جسده لم يرضه، ومعلوم أن الناس يبحثون لصحتهم عن أحسن الأطباء ولا يرضون بأقل من الأحسن وفي وسعهم الخيار، وكذلك لا يرضون لبنائهم إلا المهندس الكفء والفني الماهر، فلا ينبغي أن يكون الدين أقل أو آخر ما يهتم به المرء، كشأن الذي قيل فيه:
فطن لكل مصيبة في ماله وإذا أصيب بدينه لم يفطن. وقد كان السلف يقولون: أميتوا البدعة بتركها، فكذلك الفتاوى التي كان يطلق عليها الفقهاء: الفتاوى الماجنة، ويسمون المفتي المتساهل - وليس الجاهل - يسمونه: المفتي الماجن، ويحجرون عليه، ويقولون: إن الحجر على المفتي الماجن أولى من الحجر على الصبي والمجنون؛ لأن الحجر عليه يحفظ له دينه ودنيا غيره. |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news