شـهادات فلسطينية عن النكبة


رغم مضي 60 عاما على نكبة الشعب الفلسطيني، وتهجيره من دياره، لاتزال وقائع هذا اليوم التعس، وذكريات الأراضي المحتلة محفورة في أذهان من بقي من مجايليه. 

الحاج مطلق النخالة من مواليد عام 1923م، هاجر من مدينة يافا الواقعة على شاطئ البحر المتوسط في فلسطين المحتلة، جلس في بيته القديم الذي تفوح منه رائحة الماضي يستذكر أيام زمان فيقول «يافا من أجمل مدن فلسطين؛ كنا نسكن في البلدة القديمة بشارع البطنة، وكان الصيف أروع مواسم المدينة، حيث يأتي إلينا سكان القرى ليستمتعوا برمال  يافا وبحرها يروون عطشهم ببرتقالها وليمونها وحمضياتها» . 

وأضاف بلكنته اليافيّة الدافئة «مدينتي يافا حلوة يا بي ما أحلاها» كل شيء فيها جميل: فلعنبها وتينها وجمّيزها وخبزها ومائها طعم لا يشبهه أي شيء اليوم. كرومها كانت تمتد على مرمى بصري، وصوت الأذان يمتد إلينا من حي المنشيّة والقرى المجاورة. كان يطلق عليها وقتها اسم عروس البحر».  

ويروي الحاج  النخالة « كان عمري وقت النكبة 25 عاما، وكنت أعمل في مخبز لحظة اقتحام القوات الإسرائيلية مدينة يافا في 15مايو 1948، وقاموا باقتحام المنازل وقتل الأطفال والنساء، وإطلاق النار على الجميع، وبدأنا نفرّ من الهجمة الشرسة، وتركنا الديار على أمل أن نعود إليها في اليوم التالي».
وتابع:«خرجنا حافي الأقدام حاسري الرؤوس، وبقينا ثلاثة أيام في البساتين، وخرجنا من يافا تحملنا الشاحنات بسرعة جنونية، ووصلنا إلى غزة، ونحن نقول هذا الشهر سنرجع. ولكنها كانت مرارة لا تنسى وخوفا ينخر العظام، وصلنا إلى غزة وعيوننا لم تنقطع عن البكاء، وحتى هذه اللحظات أهل يافا أكثر من بكوا على جميلتهم». وأضاف الحاج النخالة الذي يسكن حاليا في منطقة التفاح شرقي مدينة غزة:«جئنا بعد ذلك إلى غزة وسكنا الخيم والطرقات كباقي المهجرين، إلى أن بنيت المخيمات وها نحن نسكنها منذ ستين عاما مضت، كبرنا وتزوجنا ودافعنا عن غزة بكل الأوقات، لكننا ننتظر اليوم الذي نعود إلى يافا نورثه حلما لأطفالنا ونعلمهم لكنتها وجمالها وأن يحلموا بالعودة إليها». 

وبالحرقة نفسها تقول الحاجة نعمة حمد من مواليد عام 1930م، والتي هاجرت من قرية «كراتيا» التي تقع بالقرب من قرى الفالوجا وبيت دراس«للبلاد نكهة الأصالة التي ما عدنا نشعر فيها في ظل الظروف الصعبة التي نمرّ بها، كنت وأنا صغيرة أتنقل مع شقيقاتي وبنات الحي بين الحقول الممتدة والمزارع الخضراء، وكنا نخرج منذ طلوع الصباح، ونعود مع غروب الشمس». وأخذت الحاجة نعمة تتبادل الذكريات مع شقيقتها فاطمة والتي تكبرها بعامين، حيث قالت الحاجة فاطمة «رغم أننا كنا صغارا، فإننا زرنا كل القرى المحيطة بنا باحثين عن المرح واللعب، ولم نكن ندرك يوما أننا سنغادر ونترك كل شيء خلفنا، وكنا نعود في المساء، ويتجمع الأهالي والجيران، وتبدأ السهرة تحت ضوء القمر ويتبادلون الحديث والسمر والغناء الأصيل».

وتقول الحاجة أم طلعت المسارعي مواليد عام 1930م، من سكان مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، والتي باتت ذاكرتها دفترا يسجل عليه التاريخ أحداثه منذ خروجها من قرية حمامة «كان يوم عرسي أحلى يوم مرّ علي وأنا في حمامة، لبست الثوب المطرز، اشتغلت به كل بنات القرية، وقعدن سبع أيام بلياليها يغنين لي ويزففنني. وكان للفرح طقوس تختلف عن اليوم واللبس كان أحلى وكل شيء كان حلوا وله طعم مختلف». 

وقالت الحاجة فاطمة حمد(80 عاما): «كان عمري يوم ما تهجرنا 20 عاما، وكنت متزوجة، وكان معي طفلة عمرها تسعة شهور وخرجت أنا وزوجي وبنتي، و18 فردا من عائلتنا من بلادنا، وبعد أن هاجموا قريتنا، وقتلوا الأطفال والنساء والرجال، فررنا إلى مدينة الخليل ومكثنا فيها أربعة أشهر». 
وأضافت: «وبعد ذلك أتت شاحنات مصرية حملتنا إلى غزة، وسكنا مدة عام في الخيام بمخيم البريج، وبعد ذلك بنت لنا الأونروا منازل بسيطة تسترنا». 

وقال الحاج أبو يوسف أبو نحل(80 عاما)، وهو من قرية بربر، ويسكن في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة: « لما دخل اليهود ديارنا، دفعنا الخوف إلى المغادرة باتجاه غزة، وكنا نعتقد أننا سنعود كما قالت لنا الجيوش العربية آنذاك، ووصلنا إلى منطقة الشاطئ على بحر غزة وجلسنا هناك بدون مأوى في بداية الأمر».  وأضاف: «ثم جاءت الأمم المتحدة وبدأت بنصب الخيم، وقسمونا إلى مربعات يسكن في كل مربع أهل قرية بعينها، ومن ثم بنيت المخيمات على شاكلة الخيم وسكنا بيوتا أشبه بالصناديق، تفصل بيننا وبين الجيران مساحات صغيرة».
 
تويتر