«متعة الحياة».. مسرحية بتوقيع 145 طفلاً معاقاً
لم يتوقّع الجمهور الغفير الذي غصت به قاعة مسرح جميرا بيتش أثناء عرض مسرحية «متعة الحياة»، مساء الخميس، لأطفال مركز راشد لعلاج ورعاية الأطفال بدبي، أن متعة فنية عالية المستوى بانتظاره، قدمها العمل الذي ألّفه أحد المدرسين بالمركز مستعيناً بعدد كبير من الأطفال الذين يعاني معظمهم من إعاقات ذهنية وجسدية عديدة، بعد أن أثبت الموهوبون أن كونهم ذوي احتياجات خاصة لا يتعارض مطلقاً مع حقيقة تمتعهم بقدرات خاصة في الوقت ذاته. ورغم سيطرة حالة من الارتباك المبرر خلف الكواليس رصدتها «الإمارات اليوم» قبل انطلاقة العمل بسبب كثرة شخصيات المسرحية وتعدد محاورها، ما تسبب في تأخر رفع الستار - الذي سبقته مراسم عزف موسيقى السلام الوطني - لنحو الساعة، إلا أن ثقة الكبار لازمت الأطفال الذين ظهروا بثبات واضح على خشبة المسرح.
المسرحية التي أقيمت تحت رعاية حرم صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، سموّ الأميرة هيا بنت الحسين، حضرها نحو 1000 مشاهد تقدمهم الشيخ جمعة بن مكتوم آل مكتوم العضو المنتدب لمركز راشد والفريق ضاحي خلفان تميم قائد عام شرطة دبي وقنصل عام جمهورية مصر العربية السفير إبراهيم حافظ والسيد خوري وإقبال خوري مؤسسا المركز وعدد من كبار المسؤولين وأعضاء رابطة السلك الدبلوماسي وعضوات مجلس سيدات الأعمال في دبي ومديري الجهات، والملحن إبراهيم جمعة والإعلامي حمدي قنديل والفنانة نجلاء فتحي، والفنان عبدالله بالخير، وقنصل عام بنغلاديش وعدد من أعضاء رابطة السلك والمراكز المعنية بشؤون ذوي الاحتياجات في الدولة وأهالي الأطفال. انسجام وفي حين لجأ مخرج العمل ومؤلفه محمد يونس مدرس الدراما بالمركز إلى الاستعانة بتقنية «البلاي باك» من خلال تسجيل صوتي رافق حركة الأطفال على المسرح فإن انسجام الأخيرين في أدائهم جاء متناغماً تماماً مع الصوت رغم إطالة زمن المسرحية إلى نحو 45 دقيقة واشتمالها على محاور متعددة كانت بمثابة عناوين فصول أو مشاهد العمل وهي: مشروعية الحلم، العلم، الإيثار، أهمية الترويح عن النفس، السلام مع الذات ومع الآخرين. وعمد يونس بدء المسرحية بصيغة الراوي ليجد مسوغاً في الربط بين عالمين واقعي وآخر متخيل على خشبة المسرح، قبل أن يعيدنا سريعاً إلى زمان ومكان محددين ليسا بعيدين عنه من خلال اقتباسات من تاريخ الإمارات وإشارات لقائدها الراحل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بل إن الأداة السحرية التي تحكمت في حركة الزمن المتخيل الذي أدخل أبطال المسرحية في عوالم متتالية لم تكن سوى لؤلؤة في إحالة واضحة إلى أن حاضر الإمارات مهما بلغ من تقدم حضاري فإنه معتمد بالأساس على ماضٍ عريق يوصله بزمن الأجداد وعصر بحث الأجداد عن اللؤلؤ . وشارك في تقديم هذا العمل الفني الذي استمر نحو 45 دقيقة واخرجه محمد يونس أستاذ الدراما بالمركز أكثر من 145 طفلاً من المركز من مختلف الأعمار والإعاقات. وقد تم تدريبهم من قبل مدرسيهم، على أداء فقرات المسرحية والمساهمة في صنع مجسمات شخوصها والديكورات الخاصة بها، في فترة امتدت نحو السنة. وتمكن العمل من خلال مبدعيه من طرح أسئلة مهمة تتعلق بمعنى السعادة وما هي متعة الحياة الحقيقية، وما قيمة العيش إذا تم سلب عنصر السلام؟ من خلال عرض مسرحي جيد من حيث الأداء الحركي والديكور وسلاسة تحرك المجاميع على المسرح، وهو ما أتاح للمواهب الغضة التحرك بحرية والانطلاق بتلقائية على الخشبة في رحلة رمزية اكتشفوا خلالها ان السعادة هي مجموعة من المفاهيم تختلف من شخص لآخر. ولاقت المسرحية تصفيق الحضور الذين أكدوا ان أطفال المركز كانوا مميزين بأدائهم وأن الرسالة التي أرادوا إيصالها قد وصلت بطريقتهم الخاصة. مشيرين إلى ان الأطفال قدموا جهداً كبيراً أكدوا فيه أنهم مثل أقرانهم يملكون القدرات التي تساعدهم على الإبداع إذا ما تم توفير الظروف المناسبة لولادة هذا الإبداع. تحدٍ وعلقت الفنانة نجلاء فتحي على العرض قائلة: «أمام هؤلاء الأطفال المميزين شعرت بأنني صغيرة أمامهم لأن إبداعهم لا يوصف لجهة الأداء أو التنظيم أو المشاركة أو الرسالة التي أراد الأطفال إيصالها إلينا نحن الكبار». وتمنت للمركز واطفاله المزيد من التوفيق والنجاح لتحقيق طموحاته. وحول رأيه بهذا العمل المسرحي قال الفريق ضاحي خلفان: «إنه عمل رائد مفعم بنفحات إنسانية تنم عن حجم المودة التي تجمع بين إدارة المركز وطلبته حيث سادت روح الأسرة الواحدة والتنظيم الممتاز والأداء الرائع للأطفال». وأضاف: «الدرس من وراء هذا العمل الفني المليء بالعطاء وصل ويجب أن نتعلم منه». وأشاد القائد العام لشرطة دبي بأداء المركز وإنجازاته قائلاً: «ليس بجديد على هذا الصرح الإنساني هذا الكم من العطاء الذي يعكس حجم الجهد الدؤوب الذي يبذله من أجل توفير مستقبل أفضل لطلبته وتعزيز ثقتهم بأنفسهم». ومن جانبها قالت مديرة المركز مريم عثمان: «إن تنظيم هذه المسرحية يأتي ضمن إطار جهود مركز راشد لإعطاء الأطفال فرصة لإظهار قدراتهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتحدي إعاقتهم. إنه عمل فني أردنا من خلاله إلقاء الضوء على معاني السعادة ومتعة الحياة الحقيقية في عصر يتسم بالسرعة والابتعاد عن هذه المعاني». وأعربت عثمان عن تقديرها لهؤلاء الأطفال الذين تدربوا لساعات طوال على أداء المطلوب منهم بكل ثقة ولمدرسيهم، مشيرة إلى أن الفنون بجميع أشكالها هي نوع من أنواع الحرية الفكرية والخروج من محيط الجسد والتحليق في فضاءات الإبداع. في الإطار ذاته قال الإعلامي حمدي قنديل إن المشاركة الاجتماعية وتقديم الدعم للمشروعات الاجتماعية المهمة ليس ترفاً بالنسبة للإعلامي الذي يجب ألاّ يتوقف دوره أمام الميكرفون وعدسات الكاميرات بل هو واجب أصيل يجب سداده. صناعة البهجة
دمعة انهمرت من عين أب أربعيني بعد عرض المسرحية حملت معاني فخر بأداء ابنه على خشبة المسرح، ترافقت مع مشاعر فخر أخرى لمدرسات حملن أطفالاً أصغر من أقرانهم من أجل المشاركة في «متعة الحياة»، فيما آثرت مديرة المركز مريم عثمان الوقوف طوال فترة العرض على بعد مترين فقط من الخشبة.
مشاعر الفخر لم تقتصر فقط على صناع الحدث بل امتدت أيضاً لمن آزره بالحضور، ففي الصف الأول وما تلاه في القاعة لازمت ابتسامة الإعجاب محيّا الشيخ جمعة بن مكتوم آل مكتوم وضاحي خلفان وحمدي قنديل وعبدالله بالخير وإبراهيم جمعة، وغيرهم ممن جاؤوا للمشاركة في إدخال البهجة في نفوس مجموعة من ذوي الاحتياجات الخاصة، فكان لهم |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news