صوماليون يغامرون بحياتهم للهروب من بلادهم
|
|
تعلم أوبة عبدالسلام محمد أنها قد لا تظل على قيد الحياة خلال عبورها البحر، فقد سمعت قصصاً كثيرة عن الضرب الذي يتعرض له الركاب على أيدي المهربين، وعن أسماك القرش، وعن العطش الذي يعانيه الركاب خلال الرحلة، لكنها على الرغم من ذلك قررت خوض المغامرة بعد مقتل أخويها في دائرة العنف اللانهائي الذي يخيم على الصومال. فقد قررت هذه المرأة الحامل الهروب، واستقلت إحدى الحافلات الصغيرة التي أوصلتها بعد ايام للشاطئ الشمالي للبلاد مروراً عبر العديد من نقاط التفتيش. وفي ساحل معزول بالقرب من مدينة بوساسو، خاضت مياه البحر لتستقل قارب صيد مهترئ، وحملت معها حقيبة ملابس لا تحتوي سوى على قطعة يتيمة من الملابس، وأخفت تحت غطاء رأسها 10 دولارات ودفتراً صغيراً يشتمل على أرقام هواتف.
وكان هناك 120 صومالياً آخرين جالسين القرفصاء على سطح القارب، محاولين تجنب أعين المهربين الستة الذين يحملون أسلحة نارية وسكاكين. وتتذكر أوبة ان المسافرين كانوا يعتقدون أنهم إذا تململوا فسيلقي بهم المهربون في المياه. وفي اليوم التالي قضى ستة رجال اختناقاً في غرفة المحرك التي اتخذوها مأوى لهم لعدم وجود مكان لهم على السطح، وتجاهل المهربون صرخاتهم. وبعد رحلة دامت 30 ساعة أمر المهربون ما تبقّى من المسافرين بقطع الامتار الـ100 المتبقية سباحة نحو الساحل اليمني الصخري. وساعد قليل من الشبان أوبة في الوصول للشاطئ، حيث أعطاها القرويون ماءً وبسكويتاً. وفي الصباح ساعدوها في الاتصال بوالديها اللذين هربا أيضاً من مقديشو ويعيشون مع أقرباء لهم خارج المدينة. وفي مدينة خرز، حيث يوجد معسكر اللاجئين الذي تديره الأمم المتحدة، والذي تعيش فيه، يسمعون كل يوم قصص الضياع والموت التي يتعرض لها المهاجرون خلال عبورهم اليمن. فمنذ بداية 2008 وحتى الشهر الماضي عبر خليج عدن الى اليمن 14500 لاجئ، معظمهم من الصومال، ويمثل هذا العدد اكثر من نصف عدد اللاجئين الذين وصلوا الى اليمن العام الماضي. ولا يشكل معدل الوفيات الكبير خلال الرحلة سوى رادع ضئيل لهؤلاء اللاجئين، حيث تكشف ارقام الامم المتحدة ان نحو 1500 لاجئ ماتوا أو اختفوا خلال محاولاتهم عبور المياه من الصومال لليمن في 2007، اي بمعدل واحد من كل 20 شخصاً. وبعضهم يموتون نتيجة لغرق قاربهم، أو يلقون حتفهم خلال الامتار القليلة المتبقية للشاطئ سباحة، والبعض الآخر منهم يجبره المهربون على إلقاء نفسه في الماء إذا كانت الحمولة زائدة. وقال مدير المفوضية العليا للاجئين باليمن، كلير برغويس «لدينا هنا امرأة قذف المهربون بطفلها في الماء لأنه يصرخ اكثر من اللازم»، وأضاف أن اللاجئين يعلمون بجميع هذه المخاطر لكن ليس امامهم من سبيل للهروب من الصومال سوى ركوب الصعاب. ويزداد عدد اللاجئين الصوماليين لليمن كلما تصاعدت وتيرة الفوضى في مقديشو. فمعظم الذين وصلوا لليمن هذا العام بدأوا رحلتهم من مقديشو، التي تزداد فيها وتيرة العنف، جراء العمليات المسلحة للميليشيات المرتبطة بالمحاكم الاسلامية التي حكمت الصومال في النصف الاخير من عام 2006، والتي تشن حرب عصابات على القوات الاثيوبية والحكومة الصومالية الضعيفة التي نصبتها اثيوبيا. ولقي بعض الآلاف من المدنيين مصرعهم في تقاطع النيران العام الماضي على الرغم من وجود قوات الاتحاد الافريقي، والتي انحسر دورها لتصبح في موقع المراقب. وتقول الأمم المتحدة، والتي تعلم خطورة إرسال قوات كبيرة لحفظ السلام الى هذا البلد الافريقي، إن 700 ألف هربوا من المدينة العام الماضي. وينتشر على طول الاميال ال10 التي تفصل بين مقديشو ومدينة افغوي 200 ألف نازح، والذي تعتبره المنظمات الانسانية من اكبر تجمعات النازحين في العالم أجمع. أما الذين لديهم الكثير من الاموال يسافرون لاماكن بعيدة جدا، وتظل الحدود الكينية مغلقة امام اللاجئين على الدوام، ولا يذهب معظم الصوماليين لاثيوبيا التي يرونها عدواً لهم. اما اليمن فعلى الرغم من المخاطر التي تعتري الوصول اليها تعتبر الوجهة المفضلة للصوماليين لأنها تمنحهم إقامة بشكل تلقائي. أوبة، التي عملت في مقديشو خادمة منزل، استطاعت توفير 35 دولاراً لرحلتها البرية لمدينة بوساسو في الساحل الشمالي للصومال، و50 أخرى لرحلتها البحرية لليمن. أما ماليون حسن اسماعيل، إحدى جارات أوبة في معسكر اللاجئين الذي يبعد ساعتين بالسيارة عن مدينة عدن الساحلية، فقد اتخذت خلال رحلة هروبها طريقاً أكثر كلفة. وتروي ماليون كيف ان سيارة عسكرية اثيوبية تعرضت للتفجير بالقرب من منزلها في مقديشو في ديسمبر الماضي، وانتقاماً لذلك قتل الاثيوبيون زوجها ووالدها وأخاها، فاضطرت لدفع 600 دولار للهرب براً هي وابناؤها الثلاثة لأرض بنط، الدولة التي اعلنت استقلالها من جانب واحد عن الصومال، ثم من هناك الى جيبوتي، والتي تقرب كثيراً من اليمن مقارنة ببوساسو، وطلب المهربون 100 دولار اخرى لنقل ماليون عبر البحر لليمن. وتقول «ما يحدث في مقديشو مرعب للغاية، فالناس يموتون كل يوم»، وتضيف «اما هنا فأحس بالأمان اكثر حيث امتلك خيمة وسريرين وأربع بطانيات». وبالنسبة لمعظم اللاجئين فإن الأمان ليس كافياً، فهم يأتون الى اليمن مع وعود بمساعدة ذويهم في الصومال، بيد ان اليمن تعتبر من افقر البلدان. ويتجه معظم الرجال مباشرة من مراكز الاستقبال التابعة للأمم المتحدة الى منطقة البساتين في عدن حيث توجد شبكة قوية من المهربين الذين يساعدونهم للسفر للدول الغنية. عناب شيخ محمد، والتي هربت من الصومال عام 1993 تدير نزلاً في البساتين، حيث ينشط العمل، ووفد عليها قبل يوم واحد من وصوله لليمن محمد جمال الذي ترك زوجة وثلاثة أطفال في مقديشو، ويزمع السفر الى الحدود السعودية، ومن هناك يفكر في المشي راجلاً الى مدينة جدة للبحث عن عمل. ويقول موظفو الأمم المتحدة إن السيناريو الاكثر احتمالاً بالنسبة لمحمد هو أن تلقي الشرطة السعودية عليه القبض وتعيده مرة اخرى لمقديشو، ومن المحتمل ان يقفل عوداً على بدء مستقلاً قارب صيد صومالياً لليمن. ويقول احد موظفي الأمم المتحدة «الاشخاص أنفسهم يأتون الى هنا مراراً وتكراراً، حيث يفضلون ان يغامروا بكل شيء بدلاً من العيش في الصومال في انتظار مقتلهم». |