«أسواق» للأسماك!

 

جولة واحدة في أي سوق للأسماك في الدولة تجعل الإنسان يصاب بالدهشة التي تعقبها صدمة قوية. وجلسة حوار مع أيٍّ من صيّادينا المواطنين، أو مع  الفئة القليلة جداً التي ما زالت تجلس وراء «دكة» السمك، وعددهم ربما لا يتجاوز العشرين شخصاً في مناطق الإمارات كافة، ستكشف مدى الخير الذي يوفره البحر، ومدى استغلال «الأجانب» لهذا الخير. وسيفاجأ بـ«قوة» و«جبروت» هؤلاء الذين كانوا في يوم من الأيام مجرد بائعين صغار لاحول لهم ولا قوة!

المواطنون «السماميك»يتحمّلون جزءاً من المسؤولية، لا شك في ذلك، فهم من أحضر هؤلاء، وهم أيضاً من أعطوهم أسرار المهنة، وبادروا بتعليمهم. وهم أيضاً من ترك المكان لهم، وهم أيضاً من أجّر لهم «الدكات» بالباطن، وهم اليوم أكثر المتضررين من سيطرة «تلاميذ» الأمس الذين تحولوا إلى «أربابات» سوق السمك، يسيطرون عليه من أقصاه إلى أقصاه، ويتحكّمون في السمك حتى وهو في قاع البحر قبل أن يصل إلى شباك الصيادين!

وكما هي العادة في كل مشكلة صعبة، يبدأها المواطنون، ثم تكثر شكاواهم، مطالبين الحكومة بالتدخل؛ فبعدما أجّروا منازلهم في المناطق القديمة لـ«العزاب» و«العمال» نسمع اليوم صرخات الاستغاثة للمطالبة بإخراجهم من المناطق السكنية. وكذلك حال سوق السمك، فقد أصبح المواطنون ضحايا ومستضعفين، بعد أن سلّموا مفاتيح العمل إلى الأجانب!

عموماً.. الفأس الآن في «الرأس» ولا وقت للّوم والندم، ولذلك فمن الضروري التدخل لتنظيم سوق السمك، للمحافظة على هذه الثروة «السمكية»، وتوزيع الثروة «المالية» على أقل تقدير بشكل منصف بدلاً من احتكارها من قبل «الآسيويين».

 والأهمّ من ذلك، السيطرة على الأسعار، وخدمة المواطنين والمقيمين للحصول على غذاء مهمّ وأساسيّ بسعر معقول.

وبما أن دبي على سبيل المثال نجحت في وضع أساس جيد في بعض مشاريع دعم الشباب، وأقامت مشروعاً مثل «أسواق» الطموح  في أهدافه ورسالته، فلم لا يتمّ ضمّ سوق السمك إلى إحدى هذه المبادرات، أو إيجاد صيغة تنظيمية بين «أسواق» و«بلدية دبي» لوضع قواعد وأسس منظمة لعمليات صيد الأسماك وبيعها، وتنظيم تجارتها، مع الأخذ في الحسبان مساعدة الصيادين المواطنين في تصريف حصيلة صيدهم اليومية بسعر مناسب، وتوفيرها للمستهلكين أيضاً بسعر مناسب يحفظ حقوق الجميع، والقضاء بذلك على «الوسطاء الآسيوين» الذين يشترون السمك بسعر بخس، ويبيعونه بربح لا يقل عن 300 %، ملحقين الضرر بالصياد والمستهلك على حد سواء!

لا مانع من أن يصبح أصحاب «الدكات» المواطنون، والصيادون أيضاً مساهمين في المشروع، ولا مانع من عمل «الآسيويين» لكن بصفة عمالة وموظفين،لا «محتكرين» و«مسيطرين».

أعتقد أن الموضوع بحاجة إلى دراسة، ولكني أكاد أجزم بأنه يستحق التطبيق، بأي صيغة وبأي شكل لا يهمّ ذلك، لكن المهمّ أن يتمّ تنظيم العملية و«فك» الاحتكار، والحفاظ على ثروات الوطن «السمكية» و«المالية»! 
 
reyami@emaratalyoum.com 

الأكثر مشاركة