«الفسيفساء».. فن الصبر
رغم اعتباره من الشواهد التاريخية في إفريقيا الرومانية، بقي فن الفسيفساء مهمشاً لفترة طويلة في تونس، الى ان خرج أخيراً من الظل ليصبح موضع فعاليات عدة تعيد الاعتبار لهذا الفن الذي يتطلب الكثير من الحرفية والصبر.
وعكس المهرجان الدولي للفسيفساء الذي اقيم في مدينة الجم الرومانية، الواقعة وسط شرق تونس، في اطار شهر التراث الذي اختتمت فعالياته الاحد رغبة الحرفيين في تنويع وتسويق هذا الفن الذي أصبح من ركائز السياحة في تونس.
وخلال المهرجان الذي شاركت فيه هذا العام المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة «ايسيسكو» بهدف التعريف بالفنون الاسلامية وخصوصياتها، عقد ملتقى دولي حول «الجذور التاريخية للفسيفساء في العالم وفي حوض المتوسط»، و«فن وتقنيات الفسيفساء والآفاق الاقتصادية للقطاع» في حضور خبراء عرب وأجانب.
كما اقيمت سوق للفسيفساء التونسية طيلة فترة التظاهرة التي تنفرد بها هذه المدينة الصغيرة التي تضم مسرح الجم الروماني الدائري الذي يعتبر من اشهر المسارح في العالم والذي تكسو ارضيته الاثرية رسوم الفسيفساء الرومانية، وتوزعت داخل ممرات المسرح الاثري لوحات فسيفسائية من مختلف الاحجام تعكس الترف الذي عاشه اثرياء هذه المدينة التي كانت تسمى قديماً «تيزدروس»، كما تقدم مشاهد من الحياة اليومية للمجتمعات القديمة بالاسود والابيض. كما عرضت لوحات اخرى معاصرة استعملت فيها ألوان اكثر جاذبية.
وقال ناصر بوصلاح الذي يعد من رواد هذه الصناعة: «أصبح الحرفيون وأغلبهم من خريجي كليات الفنون الجميلة يتفننون في إنجاز لوحات فسيفساء رائعة الجمال من خلال استعمال أساليب جديدة في الزخرفة، وهو ما عزز حركية الابتكار والارتقاء بالقيمة المضافة للمنتج ووسع مجالات الانشطة التي تؤمن اقتحام السوق الخارجية»، وتجدد في السنوات الاخيرة اهتمام التونسيين بفن الفسيفساء الذي نقل إليهم منتصف القرن الثاني وشهد ازدهاراً في العهد الروماني إثر غزو قرطاج، قبل ان يشهد تراجعاً إبان الفتوحات الاسلامية نهاية القرن 15 بسبب منع تجسيد صور الانسان، وبعد ان كانت لوحات الفسيفساء تزين فقط المسارح التونسية احتلت اللوحات المزركشة مساحات واسعة داخل الفنادق والفيلات الراقية والفضاءات العمومية، حيث اصبحت تغطي جدران الحدائق وأثاث البيوت.
وبهدف تنويع المنتوج التونسي قدم الحرفيون خلال المهرجان نماذج جديدة من اللوحات تجسد مثلاً صورة لفينوس «آلهة الجمال» أو زين الدين زيدان لاعب كرة القدم الفرنسي المشهور. وأمام الاقبال المتزايد على الفسيفساء التي قد يصل سعر المتر الواحد منها الى نحو 2000 دولار انتشرت في المدن التونسية 50 ورشة يعمل فيها نحو 700 حرفي.
وشدد رضا بوعصيدة صاحب ورشة على «ضرورة ان يعشق الحرفي الحجر الذي بين يديه ويواكب عصره لينجح في إنجاز لوحة فسيفسائية تكون تحفة فنية مثلما كان يفعل القدامى»، وبدا مدير الديوان الوطني للصناعات التقليدية، عفيف جراد، متفائلاً في ما يتعلق بمستقبل القطاع في تونس «التي باعت العام الماضي عشرات الالاف من اللوحات الفسيفسائية بقيمة 2.2 مليون يورو الى الولايات المتحدة وكندا وعدد من الدول الاوروبية لاسيما إيطاليا وفرنسا وألمانيا». وتضم تونس مئات المواقع المغطاة بالفسيفساء الرومانية والبيزنطية التي يعود تاريخها من القرن الاول حتى السابع بعد الميلاد، كما يضم متحف باردو الواقع في ضواحي العاصمة اكبر مجموعة فسيفساء في العالم مع نحو 400 لوحة الى جانب العديد من القطع المحفوظة حالياً في متاحف سوسة «الساحل الشرقي»، وقرطاج في الضاحية الشمالية للعاصمة. وأعلن في تونس في مايو 2004 عن فتح مركز لدراسة لوحات الفسيفساء وحمايتها بالتعاون مع البنك الدولي. |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news