جهات النــــوم
يبدو أن لنا حياة أخرى نمارسها أثناء النوم ثم ننساها إذا صاح ديك الدواجن وطل الصباح بلحيته المذهبة.
يبدو أننا نذهب أثناء النوم لنعمل ونمارس أشغالاً متنوعة حتى إنني بتّ مع الأيام - ومن شدة الإنهاك الذي أصحو معه ويصحو معي - أقول: ثمة جهة غامضة تأخذنا في الليل لنعمل في حقولها ومسالخها ومحاجرها فنذهب مستسلمين وحين تنتهي ساعات الاستعباد المحددة أو المقطوعة لهذه الجهة نعود مثلما ذهبنا من دون أن ندري. «صح النوم» عبارة تقال مجاملة، ولكن من يجزم أن نوم الناس يتشابه، فهناك من يستمتع بالنوم الى درجة قد تقلق من يراقبه خشية أنه مات ولن يصحو. وهناك من يتقلب على وجهه وقفاه وكأنه يخوض معركة مع جهة أو جهات بأقدامه وأكتافه وكل أطرافه المتحركة. كيف ينام المرء قرير العين؟ ومن هو أول شخص بالغ عاقل تحدث عن النوم الهانئ وكيف يكون؟ أحياناً أخاف أن أنام -في النوم- فأموت وحيداً بين طياته. وأحياناً أخاف مما بعده. والمهم بين هذه الحالة أو تلك أن لي مخاوف شتى لا يستهان بها بدأت منذ ولادتي بحسب أمي التي وصفت نومي ذات مرة بنوم الغزالان، من غير أن تدري أن الغزلان تقطع كل مسافات عمرها القصير وهي خائفة. منذ الطفولة والنوم عندنا مرتبط بحكايا الجدات عن الغول أو الغولة، أما الآن فقد تغول العالم كله الى الحد الذي يمكن معه أن نصحو على وطن مفقود!! أو زلزال طبيعي أو عسكري يمكن أن يغير كل ما كنا نراه مستقراً وراكداً في رمشة عين. لا شيء يقع ضمن منطقة الاطمئنان، فالخوف ليس طارئاً وإنما هو معقود الصلة في حيواتنا القلقة التي تتكالب عليها الأمراض وتتوزع عليها الكوارث والفواجع متزامنة أو متفرقة. أعود الى الجهة الغامضة التي تأخذنا أثناء النوم لأقول إن كان لابد لهذه الجهات أن تأخذنا فلماذا لا تأخذنا نحو السعادة مرة واحدة حتى نتأكد من أنها من هذا العالم وليست خدعة. نحتاج الى لحظة سعادة. نحتاج الى فضاء لم ينزع بهجته. نحتاج الى استقرار هين وبسيط تنعم به الكثير من الحيوانات كلها باستثاء الغزلان في البر تماماً وخارج منظومة ما قد يسمى بـ«الغل» أو الدولة. حين ينام الجزء الآخر من العالم، أقصد المتحضر منه، فإن علاقته بالنوم لا تتعدى الراحة المرتبطة بأطراف السرير. وحين ينام العربي فإن نومه يلوذ بمصيبة كبرى ويتمطى في الصباح على كارثة سرعان ما تتلبس الواقع وتقتله. zeyad_alanani@yahoo.com
|
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news