السينما مدرسة حياة أم مصنع أحلام؟
كانت الميزة الأولى لفيلم ما بعد الحرب هي اكتشافه للواقع. وجاءت الأشارة الأولى من أفلام الواقعية الجديدة الإيطالية، التي ارتبط مضمونها الجديد بشكلها الجديد أيضا. وصار بطل الواقعية الجديدة الإنسان العادي الذي دخل الفيلم معه الى الحياة. ومع ان الواقعية الجديدة انتهت في ايطاليا في منتصف الخمسينات،فإنها ـ أسلوباً ـ انتشرت في انجلترا واستمرت قرابة عقد من الزمن في الأفلام الأولى لتوني ريتشاردون وكارل رايز ولندسي اندرسون، وفي أميركا في أفلام ايليا كازان وفي الهند في أفلام ساتيجات راي.
لعب المؤلف سيزار زافاتيني، الناطق الرسمي للحركة، دور المبشّر في منهج العلاقة المباشرة بين الفيلم و الواقع وفي الإيمان بالتعبير عن الأشياء كما هي في الواقع، وفي قدرة تجارب الناس العاديين على خلق الدراما بعيدا عن الحبكات التقليدية، ودعا المخرجين الى التنقيب في الواقع والبحث بلا هوادة عن كشف الحقائق الاجتماعية.
وكان لفيلم «روما مدينة مفتوحة» وقع الانفجار في عالم السينما. وصرح حينئذ روسلليني: «بدأنا تصوير الفيلم بعد شهرين من تحرير روما، رغم افتقارنا إلى المواد الخام، وصورناه من دون صوت في الاماكن الطبيعية والواقعية التي كانت تجري فيها احداث الفيلم الحقيقية، وقمنا بدوبلاجه مع الممثلين أنفسهم، بعد ان انهينا المونتاج. ولم تسمح لنا قوات الحلفاء حينئذ إلا بتصوير فيلم تسجيلي».
كان للفيلم صداه الكبير في العالم، واستطاعت ايطاليا ان تعطي العالم، عبر الفيلم، وجها جديدا لإيطاليا مناهضة للفاشية وللنازية، وهكذا ولدت مع الفيلم الواقعية الجديدة، وصارت أهم حدث في تاريخ سينما ما بعد الحرب، وخلقت انعطافا كبيرا صوب الواقع وقضاياه الفعلية. وفي منتصف الخمسينات ظهرت قضايا الواقع، من جديد، في السينما العالمية بأقوى صورة.
في عام 1945 صدرت دراسة للناقد الفرنسي الكبير أندريه بازان عارض فيها شتى مفاهيم الفيلم فنا مستقلا، فما كان يعدّ تقييدا للفيلم وينبغي تجاوزه، صار بنظر بازان طبيعة للفيلم وقوته الرئيسة، ووجد هذه الطبيعة في فوتوغرافيته، فالفيلم هو طفل الفوتوغرافيا. وبحكم كونه فوتوغرافيا متحركة، عليه أن يكون أمينا بشكل مطلق للواقع، وتكون مهمته العظيمة هي الأمانة للواقع.
برزت في حينها «الموجة الجديدة»، و«سينما الحقيقة»، الفرنسيتان و«السينما الحرة» الإنجليزية، ولم يكن المنطلق هنا جماليا فقط بل كان، بالدرجة الأولى، ذا طبيعةاجتماعية وسياسية، من هنا بدت وظيفة الفيلم الأساس إظهار الواقع بشتى مظاهره.
يجد كراكاور ان الواقعية تنتشل الواقع الفيزيائي وربما كان فيلم «سارق الدراجة» من تاليف زافاتيني وإخراج فيتوريو دي سيكا أعظم نموذج لتلك الفترة، فهو يجسد، ارفع مثل عن الحركة ويستعيد عملية الحصول على الواقع وينقذه من النسيان. alzubaidi@surfeu.de |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news