حذّر مقاولون من أن الارتفاعات المتكررة في أسعار مواد البناء، ستؤدي إلى تآكل هوامش أرباحهم بصورة تقودهم إلى الوقوع في خسائر مالية، ملوحين بالانسحاب من تنفيذ مشروعات إنشائية، وتحمّل غرامات عدم التنفيذ، تدبيراً وقائياً بدلاً من الوقوع في خسائر مالية مؤكدة. وقال مستشار المطالبات، الذي يتولى دراسة ملفات تعويضات لشركات مقاولات كبرى، المهندس رشدي الشكرجي، لـ«الإمارات اليوم»: «إن مقاولين يدرسون بجدية حالياً إما تعديل أسعار المقاولة لتغطية خسائرهم الناجمة عن ارتفاع أسعار مواد البناء والمحروقات وهبوط سعر صرف الدرهم المرتبط بالدولار الأميركي المنخفض، أو الانسحاب من المشروعات نهائياً»، مشيراً إلى أن «بعض المقاولين بالفعل اتخذوا خطوات في هذا الصدد، مبلغين جهات رسمية عدم استعدادهم للاستمرار في العمل بسبب هذه الظروف الاستثنائية والطارئة وغير المتوقعة لارتفاع الأسعار».
وذكر أن «تطبيق المعادلة المذكورة في بند تعويض المقاولين نتيجة التغيير في التكلفة المذكورة في اتفاقية الـ(فيديك) على أي زيادة تطرأ على أسعار المواد والخامات والمعدات والعمالة والمحروقات، وما إلى ذلك، يمثل حلاً عادلاً ومناسباً للأطراف كلها». واعتبر مطورون عقاريون أنهم بمثابة «الخاسر الأكبر في حال انسحب مقاولون من تنفيذ مشروعات إنشائية». لكن رئيس اللجنة الفنية الاستشارية في جمعية المقاولين، الدكتور عماد الجمل، أكد لـ«الإمارات اليوم» أن «الجمعية لم تسجل شكاوى أو طلبات رسمية من مقاولين تفيد بانسحابهم من تنفيذ مشروعات»، مشيراً إلى أن «الغرامة التي يتحملها المقاول نتيجة عدم التنفيذ، لا تتعدى نسبة 10% من إجمالي المقاولة بحكم القانون، بينما إذا شعر المقاول بأن خسائره ستتجاوز هذه النسبة، فإنه غالباً ما يفضل الانسحاب ودفع الغرامة، على الاستمرار والوقوع في خسائر أكبر». تطبيق الـ«فيديك» وتفصيلاً، لفت مستشار المطالبات، المهندس رشدي الشكرجي إلى «أحقية المقاول بتعويض خسارته الناتجة عن أسباب خارجة عن إرادته، لاسيما في ظل الارتفاع العالمي للأسعار الذي تسبب بإهدار نسبة كبيرة من هوامش الربح لشركات المقاولات، بينما لو طبقنا اتفاقية الـ(فيديك) التي تنص على تعويض المقاولين في حالة زيادة الأسعار عند إعداد كل دفعة مرحلية (شهرية) وذلك عن خسائرهم الناتجة عن الظروف الاستثنائية التي لا ذنب لهم فيها، فإن ذلك سيكون عادلاً للأطراف كافة». وأضاف أن «عدداً من كبار المقاولين الذين يقومون بتنفيذ مشروعات بمئات الملايين من الدراهم، تجاوزت خسارتهم حتى الآن نسبة 15% من مبلغ التعاقد، بما يؤكد أنه لو استمر الوضع هكذا حتى انتهاء المقاولة، فإنهم سيكونون مضطرين لتسديد ذلك من أموالهم الخاصة، ما سيؤدي إلى توقفهم عن تنفيذ المشروعات». وأكد أن «عدداً من المشروعات الإنشائية توقفت فعلاً عن العمل أخيراً، بسبب الزيادة المستمرة في الأسعار، ومن غير المعقول أن يتحمّل طرف واحد كل هذه الخسائر». وأضاف أنه «على الرغم من خلو بعض عقود المقاولات من بند أحقية التعويض والمطالبة بزيادة الأسعار، إلا أن قوانين الدولة ودول الخليج عوّضت مقاوليها في عام 1973 عندما ارتفعت أسعار النفط من ثلاثة إلى 15 دولاراً للبرميل، إذ تم تعويض مقاولي الطرق على سبيل المثال بمبلغ 40 ألف درهم لكل كيلومتر»، وكان ذلك استناداً إلى المادة (249) من قانون المعاملات المدنية رقم (5) لسنة 1985». ونبّه إلى «خطورة تلكؤ بعض البنوك، أو تحفظ البعض الآخر على تقديم تسهيلات ائتمانية وتمويل لمشروعات الإنشاء والتعمير، في مسألة منح القروض والتسهيلات في الفترة الأخيرة، لعدم استقرار الأسعار، وشعورها بأن شركات الإنشاء والتعمير قد تواجه مخاطر مالية عدة، ومنها توقفها عن تنفيذ المشروعات، ما يؤثر في تسليمها وخطط التنمية الوطنية، فضلاً عن خسارة الأطراف كافة». إنذار بالتوقف وقال المدير الإداري في مجموعة «فالا» العاملة في مجال المقاولات ومواد البناء والنقل، عمر رامز فاخرة، «إن أهم المشكلات التي تهدد شركات المقاولات، تتمثل في ارتفاع أسعار مواد البناء، والتي ألقت بظلالها على القطاعات الاقتصادية كلها، وأصبحت تمثل تهديداً لتنفيذ مشروعات، وإنذاراً بتوقف العمل، وإحداث فوضى اقتصادية»، مشيراً إلى أن «سوق مواد البناء أصبحت بمثابة بورصة للمال، تختلف أسعارها مع مطلع كل يوم، وتتدخل فيها تأثيرات عدة، منها تزايد الطلب عليها، وتالياً زيادة أسعارها». واعتبر أن «أسعار مواد البناء تتأثر بشكل كبير بحجم الطلب، مقارنة بالعرض في الأسواق المحلية والعالمية، فيما سجلت تذبذباً ملحوظاً في الفترة الأخيرة بسبب نشاط حركة البناء، وعليه، فإن الأسعار تفاوتت بشكل لافت خلال العامين الماضيين». وأوضح أن «سعر الحديدين التركي والقطري، على سبيل المثال، ارتفعا بنسبة 20% للطن، كما ارتفع الخشب بنسبة 15% منذ مطلع العام الجاري، وكذا الديزل، ما أثار تحفظ مقاولين في جدولة أعمالهم، وأثار حالة من الاستعداد لطفرة سعرية جديدة في أسعار مواد البناء». 40% للمخاطرة إلى ذلك أكد عضو مجلس إدارة جمعية المقاولين، رئيس مجلس إدارة مجموعة العارف للمقاولات، حمد العارف، أن «نسبة المخاطرة في المقاولة الواحدة ارتفعت من 10% إلى 40% أخيراً، في ظل ارتفاع أسعار مواد البناء والمحروقات، إذ ارتفعت الأسعار ما بين خمس إلى ست مرات خلال العامين الماضيين، والتي تعتبر مدة كافية لتنفيذ مشروع إنشائي، فيما نخسر يومياً مئات الآلاف من الدراهم جراء ذلك»، مضيفاً أن «المقاولين متوجسون من توقيع عقود لمشروعات جديدة، بسبب الارتفاعات المتواصلة في أسعار مواد البناء والوقود، والمطورين والمستثمرين العقاريين هم من يسددون فروق الأسعار، حتى لا يتوقف العمل، فيما نأمل بأن تصدر قرارات رسمية تحقق توازناً في معادلة المكسب والخسارة». وطالب العارف بـ«تثبيت أسعار حديد التسليح والإسمنت، على اعتبار أنهما يمثلان نحو 30% من تكلفة المقاولة، على أن يتحمل أصحاب المشروعات، جهات رسمية كانت أو خاصة فروق الأسعار». |