المحاصيل المعـــدّلة وراثياً تفشل في سدّ رمــق الجوعى

دراسة جديدة أكدت أن التعديل الوراثي يقلل إنتاجية المحاصيل.                                          رويترز 

في الوقت الذي تظاهر فيه مئات الآلاف من الجوعى من هايتي إلى الصومال هذا الشهر احتجاجا على نقص الطعام وزيادة أسعاره، تظاهر الكوريون الجنوبيون أيضا، لدى وصول 63 ألف طن من الذرة مصدرها الولايات المتحدة  إلى موانئهم، ولكن ليس لسبب سوى أن هذه الحبوب معدلة وراثيا، وهو ما كان الكوريون الجنوبيون يتحاشونه على مدى عقد من الزمان بسبب ما يعتقدونه من مضارّ استخدام الجينات الوراثية في إنتاج الطعام.  ومع إرهاصات أزمة طعام عالمية اشتعل جدال جديد حول الحبوب المعدلة وراثيا، حيث أطلق المتظاهرون الكوريون على تلك المحاصيل «الطعام الشيطاني». ومن الناحية الأخرى يعتقد الكثير من العلماء أن هذه المحاصيل من شأنها أن تحلّ مشكلة الطعام جزئيا في الدول الفقيرة المهددة بنقص فيه. 


ورأى أستاذ الجينات بجامعة مينسوتا الأميركية، رونالد فيلبس أن هذه المحاصيل «بإمكانها أن تجعلنا نقطع مسافة لا بأس بها في إغاثة الجوعى، اذا ما سمح لنا العالم بأن نفعل ذلك». ويبدو أن مزارع منيسوتا هي المنطقة الوحيدة في العالم التي هدأ فيها الجدال في هذا الشأن، حيث إن 92% من محصول فول الصويا و86% من محصول الذرة المنتج في هذه المزارع العام الماضي معدل وراثيا، وفقا لوزارة الزراعة الأميركية. وتجد كوريا الجنوبية مؤازرة من أوروبا في معارضتها للحبوب المعدلة وراثيا، ولا تزال هناك أيضا معارضة ضارية في الولايات المتحدة لمثل هذه المحاصيل، حيث اتجه بعض مزارعي مينسوتا لابتكار سوق جديدة أطلقوا عليها سوق الأطعمة الخالية من التعديل الوراثي. ويقول العلماء إن الشعوب التي تحصل على طعام كاف هي فقط التي تجادل في هذه المحاصيل التي استطاعت أن تسد رمق الملايين من البشر لعقد من الزمان من دون أن تظهر عليهم أعراض مرضية. ويقول فيلبس «لم يتعرض أي شخص لآلام المعدة جراء تناوله مثل هذا الطعام». 


ويبدو أن السبب الأساسي في نقص الطعام يتمثل في الطلب المتصاعد عليه في كل من الصين والهند، بسبب النموّ الاقتصادي السريع في هذه الدول، والتي تؤوي ثلث سكان العالم، البالغ عددهم 6.6 مليارات نسمة. وكانت الصين هي السبب في قبول كوريا الجنوبية لشحنة الطعام المعدل وراثيا من أميركا، حيث تعتمد كوريا إلى حد كبير في طعامها على الذرة المستوردة من الصين، إلا أن الصين حظرت تصدير هذه الحبوب إلى كوريا لأسباب تتعلق بأمنها الغذائي، ولهذا السبب يقول المصنعون الغذائيون في كوريا الجنوبية إنهم لم يعد أمامهم من خيار سوى قبول هذه الشحنة المعدلة وراثيا. 

 

خرافة الإنتاج
وخلافا لما يعتقد كثيرون، فإن التعديل الوراثي يقلل من إنتاجية المحاصيل، وفقا لدراسة جديدة، فندت المزاعم بأن هذه التكنولوجيا الجديدة من شانها أن تحل أزمة الطعام المستفحلة في العالم. هذه الدراسة والتي تم انجازها خلال السنوات الثلاث الماضية بجامعة اركنساس في نطاق حزام الذرة الأميركي، كشفت بأن فول الصويا المعدل وراثيا يقل إنتاجه بمقدار 10% عن نظيره التقليدي. وقال أستاذ شعبة الزراعة في الجامعة، بارني غوردن، انه بدأ هذه الأبحاث بعد أن لاحظ العديد من المزارعين الذين تحولوا إلى المحاصيل المعدلة وراثيا بأن «الناتج منها ليس عاليا بما فيه الكفاية كما هو متوقع، حتى تحت الظروف المثالية».

 

وأضاف أن «الناس يتساءلون عن سبب عدم الحصول على مردود عال من هذه المحاصيل كما اعتادوا من قبل». وخلال أبحاثه زرع غوردن فول صويا معدلا وراثيا ونوعا آخر تقليديا في حقل واحد، وبلغ مردود المحصول المعدل وراثيا 70 بشلا (البشل مقياس أميركي للحبوب يساوي 24.35 لتر) لكل 4000 متر مربع مقارنة بـ 77 بشلا من  المحاصيل غير المعدلة وراثيا نفسها للمساحة نفسها. هذه الدراسة الجديدة تؤكد الأبحاث التي تمت في الماضي في جامعة نبراسكا والتي كشفت بأن نوعا من فول الصويا المعدل وراثيا أنتج 6% أقل من نظيره التقليدي، و11% اقل من أفضل فول صويا غير معدل وراثيا. ويشير بحث للجمعية العالمية لتطوير العلوم والتكنولوجيا الزراعية، إلى أن المحاصيل المعدلة وراثيا ليست الحل الأمثل لمشكلات المجاعة في العالم.


مخاوف فرنسية
وقد أصدر الرئيس الفرنسي، نيكولاي ساركوزي بداية هذا العام حظرا على نوع من الذرة المعدل وراثيا، تنتجه الشركة الأميركية العملاقة «مونسانتو» الذي كان يزرعه المزارعون الفرنسيون. وكان ساركوزي قد أكد قبل اتخاذه القرار انه سيلجأ إلى مادة في الدستور الأوروبي تمكنه من تعليق تسويق وزراعة هذا المحصول الذي يجد قبولا كبيرا من الدول الأوروبية. وأتى هذا القرار الفرنسي بعد ان قدمت «الهيئة العليا المؤقتة للأحياء المعدلة وراثيا»، نتائج دراسة حول تأثيرات هذا المحصول في الصحة والبيئة. وأعلنت هذه اللجنة المشكلة من 15 خبيرا أنها اكتشفت «حقائق علمية جديدة تتعلق بالتأثيرات السلبية لهذه المحاصيل في النبات والحيوان». ولم يوقع جميع الخبراء البيان الختامي مبررين ذلك بأنه لم يكن لديهم الوقت الكافي للقيام بالدراسة اللازمة. وتتعلق هذه الآثار السالبة بالتلقيح العكسي لكل من المحاصيل المعدلة وراثيا وغير المعدلة على المستوى المحلي، وأيضا تأثيرات هذه المحاصيل في الحشرات وأنواع من ديدان الأرض والكائنات الدقيقة. 

 

وبموجب الدستور الأوروبي، فإن أمام المفوضية الأوروبية 60 يوما لكي تقرر صحة الحقائق العلمية الجديدة التي كشفتها اللجنة الفرنسية، فإذا لم تقض المفوضية بصحة تلك الحقائق الجديدة، فإنها ستصدر قرارا تجبر فرنسا بموجبه على رفع الحظر، إلا إذا كان هناك أغلبية كبيرة في مجلس الوزراء ضد هذا القرار. وكانت كل من النمسا وألمانيا قد لجأتا من قبل إلى هذه المادة في الدستور الأوروبي دون أن تنجحا في ذلك.


منازعة أوروبية ــ أميركية
الاتحاد الأوروبي وأميركا على خلاف حاد حول الحظر الأوروبي للأطعمة المعدلة وراثيا. وفي الوقت الذي وصلت فيه قيمة التبادل التجاري الزراعي بين الطرفين في بداية القرن 21 إلى 57 مليار دولار، فإن المزارعين ومصنعي الأطعمة الأميركيين يتخوفون من أن تؤدي هذه المقترحات الجديدة من قبل الاتحاد الأوروبي إلى مزيد من الحواجز في وجه التجارة بين الطرفين. ففي 1998 صدّرت الولايات المتحدة ما قيمته 63 مليون دولار من الذرة إلى المجموعة الأوروبية، بيد أن الصادرات تناقصت لتصل إلى ما قيمته 5.12 ملايين دولار في .2002 

وينظر بعض المسؤولين الأميركيين إلى الحظر الأوروبي المفروض على التكنولوجيا الحيوية، على انه انتهاك صريح لقوانين منظمة التجارة الحرة. ويشير الممثل التجاري السابق للولايات المتحدة، روبرت زوليك، إلى أن الموقف الأوروبي تجاه المحاصيل المعدلة وراثيا يتسم بـ«اللاأخلاقية» مادام سيؤدي إلى إحداث مجاعات أو إشعال حروب في الدول النامية، كما هي الحال في بعض الدول الإفريقية مثل زامبيا وزمبابوي وموزمبيق، التي رفضت قبول المساعدات الأميركية لأنها تشتمل على أطعمة معدلة وراثيا. 


لمحة تاريخية
وخلال الفترة بين 1995 و2005 زادت المساحة المزروعة بالمحاصيل المعدلة وراثيا من 17 ألفا إلى 900 ألف كلم مربع، منها 55% في البرازيل. وعلى الرغم من أن معظم هذه المحاصيل تتم زراعتها في أميركا الشمالية، فإن هناك تناميا مستمرا في المساحة المزروعة منها في الدول النامية في الوقت الراهن، فعلى سبيل المثال زادت المساحة المزروعة بفول الصويا المعدل وراثيا في البرازيل من 50 ألفا عام 2004 إلى  94 ألف كلم مربع 2005، كما أن هناك تصاعدا مستمرا في المساحة المزروعة بالقطن المعدل وراثيا في الهند منذ .2002 

 

وفي عام 2003 اشتملت الدول التي تزرع 99% من الحبوب المعدلة وراثيا على  كل من الولايات المتحدة (63%)، الأرجنتين (21%)، كندا (6%)، البرازيل (4%)، الصين (4%) جنوب إفريقيا (1%). ويقر مصنعو البقوليات في الولايات المتحدة الأميركية بأن 75% تقريبا من الأطعمة المصنعة يدخل في تركيبها عناصر معدلة وراثيا.  وفي عام 2006 وصلت نسبة المساحة المزروعة بفول الصويا في الولايات المتحدة إلى 89% وبالقطـن 83% وبالذرة 61%.

 
 
 

علامات فارقة
1983 استطاع العلماء التوصل إلى إنتاج تبغ مقاوم للمضادات الحيوية
1985  بدأت أولى تجارب المحاصيل المعدلة وراثيا حول العالم بما في ذلك المملكة
المتحدة.
1992  دخلت للاستخدام لفظة «الغذاء الخاص» والتي ابتكرها أستاذ الكلية الأميركية، باول لويس.
1993 سمحت إدارة الأطعمة والأدوية الاميركية للشركات بتسويق البذور المعدلة وراثيا.
1994 صادقت الولايات المتحدة على اول طعام معدل وراثيا، وهو ما أطلق عليه «طماطم فليفر سيفرب».
1996  أصبح فول الصويا المعدل وراثيا، والمقاوم للمبيدات النباتية متوفرا في الولايات المتحدة.
1998  ادعى عالم البروتينات، ارباد بوسزتاي، بأن البطاطا المعدلة وراثيا تؤثر سلبا في الفئران.
1999  بدأت التجارب البريطانية الحقلية للمحاصيل المعدلة وراثيا والمقاومة للمبيدات النباتية. كذلك ادعى تن داوننغ ستريت أن رئيس الوزراء السابق توني بلير أكل طعاما معدلا وراثيا واعتبره آمنا.
2003  أوضحت التجارب على مستوى الحقل أن المبيدات النباتية المستخدمة مع المحاصيل المعدلة وراثيا، تساعد على اختفاء الغطاء النباتي الذي تتغذى عليه الحيوانات البرية.
2004  تمت الموافقة الرسمية في بريطانيا على زراعة الذرة المعدل وراثيا.
2006  حصلت الشركة الألمانية «باسف»، المتخصصة في التكنولوجيا الحيوية، على إذن لخمسة أعوام في بريطانيا، للقيام بتجارب على البطاطا المقاومة للأمراض.
2007  ساندت الحكومة البريطانية الدعوات من اجل إحضار المحاصيل المعدلة وراثيا إلى داخل البلاد.    


 

   

الأكثر مشاركة