صلاح جاهين.. شاعر ورسام كان معجباً بعبد الناصر.
أدرج الشاعر الراحل صلاح جاهين قيماً عديدة في ذهن المجتمع المصري عبر قصائده الفلسفية، والتي تبني في معظمها أفكاراً تدعو للتأمل والتوقف أمام كل التفاصيل الحياتية، وقد بدا ذلك واضحاً في رباعياته التي اقتبس فيها من التراث الشعبي فكرة دوران المفردة اللغوية المتطابقة مع شبيهتها في نهاية كل شطر شعري، وحسب ما أكد ابنه الشاعر بهاء جاهين فإن الراحل الكبير «كان شديد التأثر بالواقع يتقلب مزاجه تبعاً للمتغيرات المحيطة»، حيث أثرت نكسة 67 في حياته وشعره، وأودت به الهزيمة الى مصحة للأمراض النفسية قضى فيها ثلاثة أشهر متواصلة للعلاج من حالة الاكتئاب الشديدة التي انتابته عند الإعلان عن انسحاب القوات المصرية من أمام خطوط الدفاع عن القناة وسيناء.
بدأ صلاح جاهين، الذي احتفلت أكثر من مؤسسة ثقافية، أخيراً، بذكرى رحيله الـ22، حياته العملية في جريدة بنت النيل، ثم جريدة التحرير الصادرة عن دار الهلال، وواكب هذه الفترة صدور أول دواوينه «كلمة سلام» في عام 1955، وفي منتصف الخمسينات بدأت شهرته كرسام كاريكاتير في مجلة روز اليوسف، ثم في مجلة صباح الخير التي شارك في تأسيسها عام 1957 لينضم في مارس 1964 لأسرة جريدة الأهرام. كانت رسوم صلاح جاهين الكاريكاتيرية مؤثرة لدرجة إحداث أزمات سياسية عديدة كان من أبرزها اختلافه مع الشيخ الغزالي بالكاريكاتير عند مناقشة مشروع الميثاق في عام 1962، فاستباح طلاب الأزهر دم صلاح جاهين وتظاهروا وتجمهروا أمام جريدة الأهرام.
كما أجرى معه المدعي العام الاشتراكي تحقيقًا بسبب كاريكاتير انتقد فيه تقريرًا حول نتيجة التحقيق في شأن تلوث مياه القاهرة وكان صلاح جاهين على وشك دخول المعتقل، فقد وُضِع اسمه على رأس قائمة المعتقلين أكثر من مرة - نظرًا لما عرف عنه من ميول يسارية ونقد للنظام - لولا تدخل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر شخصيًا لحذف اسمه خمس مرات من هذه القائمة. عام 1957 أصدر ديوانه الثاني «موال عشان القنال» وفي العام نفسه كتب «الليلة الكبيرة» أحد أروع إبداعاته والتي لحنها له سيد مكاوي أحد أقرب أصدقائه، الذي لحن له غالبية أعماله الغنائية والمسرحية. ومثلت الفترة الممتدة من 1959 حتى 1967 فترة النضج الشعري عند صلاح جاهين والتي بلغت قمتها بصدور ديوانه «الرباعيات» عام 1963، ثم عام 1965 حين أصدر ديوانه «قصاقيص ورق»، وخلال تلك الفترة كتب صلاح جاهين أروع أعماله الوطنية التي تغنى بها العديد من المطربين ومنهم عبدالحليم حافظ. كما قدم العديد من المسرحيات وكتب الأغاني والأشعار للعديد من المسرحيات، ولم يتوقف إنتاجه عند الأعمال المحلية، بل قام بالترجمة والإعداد مسرحيًا لبعض المسرحيات الأجنبية. كما قدم الأغاني والأشعار للعديد من الأعمال الإذاعية والعديد من الأغاني والصور الغنائية للأطفال حتى اختارته وزارة الثقافة عام 1962، ليــــكون مسؤولاً عن كل ما يتصل بتوجيه الطفل وثقافته ولكن جاءت هزيمة 1967 لتكون بمثابة الضربة القاصمة لصلاح جاهين، فأصيب بعدها بالاكتئاب الذي لازمه حتى وفاته. وخلال هذه الفترة توقف عن كتابة الأغاني الوطنية؛ حيث اعتبر نفسه مشاركًا في الهزيمة بأغانيه وأشعاره شديدة التفاؤل والحماس للثورة ولزعيمها جمال عبدالناصر، فلم يكن صلاح جاهين محبًا لعبدالناصر فقط، بل كان مبهورًا به يراه قادرًا على تحقيق ما لم يستطع أي زعيم وطني آخر تحقيقه. |