«سعفة كان» فرنسية.. لأن هـذا «ما حدث فقط»


كان الجو عاصفا حقيقة ومجازا ليلة أول من أمس في «كان»، الرياح قوية لا تمنح الفرصة المناسبة لعبور السجادة الحمراء، كما هي العادة في ليلة الختام وتوزيع الجوائز، لكن دون أن تتمكن الرياح العاتية من زعزعة تكهنات الصباح بما سيناله ذاك الفيلم ومن سيتوّج بالسعفة الذهبية، والكيفية التي يفكر بها شون بين، وأنه طلب معاودة مشاهدة فيلم «سيربيز» للفلبيني برلينت ميندوزا، أو أن فيلم «فالس مع بشير» للاسرائيلي آري فولمان، صاحب الحظ الأوفر، على اعتباره يقدم هجائية كبيرة ومميزة للجيش الاسرائيلي، وما إلى هنالك من شائعات وأقاويل لابد منها.

 

كل ما تقدم اختفى تماما في تمام الساعة السابعة مساء بتوقيت كان، فمع وصول طاقم فيلم الختام «جست وت هابن» (ما حدث فقط) وعلى رأسهم روبرت دي نيرو  الذي كان سخيا جدا بتواقيعه للجمهور، وقيامه بكل ما يطلب إليه سواء من الجمهور المحتشد أو المصورين، كما لو أنه في مكان آخر، كل التوقعات اختفت مع البدء بإعلان النتائج، وللدقة مع إعلان الفيلم الفائز بسعفة كان الذهبية في دورته الـ61،والتي توج بها «انترليه مور» أو (بين الجدران) للفرنسي لوران كانتيه، الذي لم يكن في وارد التوقعات على صُعُد عدة، وجاء وصف الفيلم على لسان بين «السعفة الذهبية من نصيب هذا الفيلم الرائع»، ليضع النقاط على الحروف.

 

تهكم سياسي

قبل الخوض بتفصيل الجوائز، يجب تأكيد أن الخيارات نأت تماما عن أي فيلم يتناول حدثا أو جزئية تاريخية متعلقة بقضايا سياسية راهنة حضرت بقوة في الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية، ولعل السياسي وإن جاء تهكميا ومداورا، فقد كان في كلمة بين الوجيزة، التي اعتبر فيها أنه أصبح رئيسا للجنة تحكيم، لأن هذا «ما حدث فقط» مستعينا بعنوان فيلم الختام، لكنه مؤكدا في الوقت نفسه أنه ليس رئيسا مثل رئيس الولايات المتحدة.

 

إذن هذه السنة السعفة فرنسية، ولعل الفيلم نفسه فرنسي بامتياز على صعيد موضوعه أيضا، وعلى شيء من مقاربة المجتمع المتعدد الأعراق الذي صارت إليه فرنسا، من خلال صف دراسي، وعلاقة التلاميذ بمعلمهم، وليكون الفيلم من أوله إلى آخر ضمن المدرسة، لا بل إن أربعة أخماسه ضمن الفصل الدراسي، وليصوغ من خلال الحوارت اللامتناهية بين الطلبة والاستاذ صورة مكثفة لأوضاع كل طالب على حدة، وخصوصا أن المعلم يتبنى تماما حرية الكلام، مشرعا الأبواب على مصاريعها لتلقي كل الآراء والأفكار التي يبديها الطلاب، الذين يكونون في غالبيتهم من أصول غير فرنسية (عربية، إفريقية، آسيوية)، ولعل هذا الفصل صالح لأن يكون مجتمعا مصغرا عن فرنسا المعاصرة، والمشكلة التي تواجه المعلم مع طالب ذي أصول إفريقية (مالي)، تحمل شيئا من تخطي مساحة الحرية والتحول إلى سوء استخدام لها.

 

لا شك أن الفيلم محكم، والحوارات مبنية فيه بحنكة وبراعة، ويكاد يكون خاليا من أي زيادات أو حشو، لكن يبقى السؤال المطروح بقوة، ما الذي يقدمه الفيلم على صعيد سينمائي له أن يبهر، مع انحسار قوته بإدارة الممثلين، وضبط الإيقاع دون أن تكون للقطة أي حضور، لا بل يمكن أن يكون الحوار هو العنصر الأقوى في الفيلم لا السيناريو ولا حتى التصوير، بل يمكن القول إن الفيلم كتاب مصور لنا أن نقرأ ـ إن كنا لا نعرف الفرنسية ـ أكثر من أن نشاهد على اعتبار أن المتابعة تستدعي مرافقة الترجمة التي لا تتوقف أبدا ما دامت الأحاديث في الفيلم بلا نهاية.
 

 

مفاجأة الجوائز

أسئلة كثيرة له أن يولدها خيار لجنة التحكيم لهذا العام، لها أن تغيب مع فوز التركي نوري سيلان بجائزة أفضل مخرج عن فيلمه «ثلاثة سعادين» الذي قدم فيلما جميلا، له أن يكون من بطولة مخرجه الذي بدت لمسته دامغة في كل لقطة من الفيلم مثلما هو الأمر مع فيلم «دلتا» للهنغاري كورنل مندروزكو.

 

أعود إلى مفاجأة أخرى بالنسبة إلى الجوائز، تتمثل في فوز فيلم «كومارا» للإيطالي ماشيو غارون بالجائزة الكبرى، نعم فاز «كومارا» ومعاودة الاقتراب من المافيا الايطالية في نابولي، عبر سرد خمس قصص نجدها جميعا متشابكة مع المافيا  المتحكمة في كل شيء وقد أعلنت الحرب بين طرفيها، وليأتي إلى جانبه فيلم ايطالي آخر يقترب هو بدوره من المافيا الايطالية، لكن من خلال شخصية أسطورية في تاريخ ايطاليا الحديث ألا وهي جولي اندريوتي، والحديث هنا عن فيلم «ايل ديفيو» لباولو سورينتينو، والذي نال جائزة لجنة التحكيم الخاصة، ولعل الفيلم كان على قدر هائل من الإيقاع العالي، والمقاربة المتماهية تماما مع املاءات شخصية اندريوتي وغموضها وخصوصيتها، ومن ثم فضيحة علاقته بالمافيا، دون أن ننسى أنه هو القائل «إن دليل الجريمة يظهر في الروايات البوليسية فقط وليس في الحياة الواقعية»، هذا عدا أرقه المزمن، وآلام الشقيقة التي لا تفارقه، وغير ذلك مما تناوله سورينتينو بأكبر قدر من التنويع على أسلوب مقاربة كل جانب من جوانب هذه الشخصية التي جسدها بشكل مدهش توني سيرفيلو.


فيلم البرازيلي والتر سالس «لينا دي باسه»لم يخرج من المسابقة خالي الوفاض فقد ذهبت جائزة أفضل ممثلة إلى بطلته جوا بلدسيريني التي جسدت دور الأم لأربعة أبناء، كل منهم يحاول شق طريقه في ساو باولو المزدحمة والقاسية، ولكل واحد منهم عالمه الخاص تتقاسمهم كرة القدم والدين والعمل والمدرسة، بينما الأم التي نشاهدها حاملا منذ بداية الفيلم مع انعدام وجود أب لأولادها، أو لذاك الحامل به، تسعى طيلة الوقت لتلبية جزء من احتياجاتهم عبر عملها خادمة.

 

أفضل ممثل

هذا يمضي بنا في الحال إلى جائزة أفضل ممثل والتي ذهبت مباشرة إلى بنسيو دل تيرو عن تجسيده شخصية ارنستو تشي غيفارا في فيلم ستيفن سيدربورغ، في أداء ليس له أن يوصف إلا بالرائع، ولعل لهذا الممثل، وفي جردة سريعة لأدواره، أن يستحق كثير التقدير، إذ لكم أن تستعيدوا دوره الرائع في «21 غراما» أو حتى في آخر أفلامه «الأشياء التي فقدناها في الحريق».

تبقى جائزة السيناريو التي ذهبت إلى فيلم الأخوين ديردين «لورنا دي سايلنس» (صمت لورنا)، واللذان حظيا بها كونهما مخرجي الفيلم وكاتبيه، ولعل السيناريو كان نقطة القوة الرئيسة في فيلم الأخوين، والذي يحكي عن لورنا المقسمة بين قلبها ورزقها، بين أن تتزوج على الأوراق من أجل بيع جنسيتها البلغارية، واللحظة التي تنقلب فيها حياتها رأسا على عقب، لدى اكتشافها أن من تزوجته على الأوراق قد وقعت في حبه حقا، هو المدمن على المخدرات، والذي سرعان ما يموت أو يقتل، والسبب جرعة زائدة من المخدرات.

 

جائزة خاصة ابتدعتها لجنة التحكيم كانت من نصيب كاترين دنوف على إسهامها الخاص والمتواصل في «كان»، ولعل هذا أقل ما يمكن لبين أن يقدمه لدنوف المرتبطة لديه بـ«كان»، ثم إنها هي من سلمته جائزة أفضل ممثل عام .1997 وكذلك الأمر بالنسبة لكلينت ايستوود الذي طالته هذه الجائزة.

 

حسنا اختتم المهرجان وبدا أول من أمس مقفرا، وعلى شيء مما يدفع إلى الحزن، الأمر الذي بدأ منذ الصباح، فكان الأمر يستدعي الوقوف على الأطلال السينمائية، واختفاء الحشود، ليلي ذلك وبعد الختام، أي أمس، البدء بنزع السجاد الأحمر، وليكون الأمر سينمائيا أكثر، فإن الأمطار وضعت الخاتمة كما في كثير من الأفلام للدورة الحادية والستين وغسلت كل شيء، أو كما في الفيلم التركي «ثلاثة سعادين» حيث اللقطة مفتوحة على البحر، والرجل يقف وحيدا على سطح بيته بينما المطر ينهمر بغزارة، لقطة تمتد لدقيقتين وينتهي الفيلم، ولقطة مهرجان «كان»  بحاجة إلى سنة أخرى لها أن تجد في مايو العام المقبل اللقطة أو الدورة الثانية والستين.


 ساركوزي يعرب عن سعادته

 اعرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، اول من امس، عن سعادته بفوز الفيلم الفرنسي «بين الجدران» بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان مشيدا بـ«فطنة»  مخرجه لوران كانتيه و«رقته».

 

وقال ساركوزي في بيان ان الفيلم «يظهر الصعوبات المدرسية في فرنسا اليوم ولكن ايضا جهود وآمال ونجاحات الاساتذة الذين يشكل التزامهم في خدمة الطلاب ارضية الفيلم»معبرا عن سروره وارتياحه لهذا النجاح.

 

وقال ان الفيلم «يشهد على صحة السينما الفرنسية وقدرتها التي لا تزال قائمة في جعل «نوعية» افلام المؤلف موضع اعجاب المشاهدين عبر العالم».

 

وفاز فيلم «انتر ليه مور» (بين الجدران) للفرنسي لوران كانتيه الاحد بالسعفة الذهبية للدورة الحادية والستين لمهرجان كان التي لم تحصل عليها فرنسا منذ 21 عاما، كما اعلن رئيس لجنة التحكيم الممثل والمخرج الاميركي شون بين.

 

وكان آخر فيلم فرنسي فاز بالسعفة الذهبية «سو لو سولاي دو ساتان» (تحت شمس الشيطان) للمخرج موريس بيالا عام .1987 

 

تويتر