قانونيّون يطالبون بتوحيد «القضاء»

 
شهدت ورشة عمل نظمتها المحكمة الاتحادية العليا لبحث مدى ملاءمة منحها وحدها النظر في الطعون الموجهة ضد قرارات جميع محاكم الاستئناف في كل من القضاء المحلي والاتحادي، ردود أفعال متباينة.. ففي حين طالب قانونيون مشاركون في الورشة بإنشاء محكمة اتحادية عليا تضم محاكم الدولة كافة، واعتبار أي محكمة قائمة دون قانون اتحادي غير شرعية، رأى آخرون أن محاكم النقض تهدف إلى تطوير العمل القضائي في الدولة وتحقيق سرعة الفصل في القضايا المتكدسة التي زادت أعدادها بصورة لافتة نتيجة الزيادة المضطردة في أعداد السكان.

 

وتفصيلاً، انتقد رئيس المحكمة الاتحادية العليا في أبوظبي القاضي الدكتور عبدالوهاب العبدول تعدد المحاكم العليا في الدولة، معتبراً أنها تمثل «أحد أبرز التحديات التي تواجه القضاء في الإمارات، لا في القضاء الاتحادي فحسب، بل حتى في القضاء المحلي» موضحاً أن «اختلاف التفسيرات التي تعطى لنصوص القوانين الاتحادية، والمبادئ المتعارضة، والاجتهادات المتناقضة، وتباين الأحكام، واضطراب العمل في مجال التعاون الدولي في ميدان تنفيذ الأحكام، هي نتيجة لهذا التعدد».

 

وأثار العبدول خلال الورشة إشكالية تعدد المحاكم العليا في الإمارات، وما قد يصاحب هذا التعدد من بروز سلبيات تمس بالعدالة وبوحدتها، وبصورة القضاء داخل الدولة وخارجها، إضافة إلى استكشاف قدرة المحكمة الاتحادية باعتبارها تمثل قمة السلطة القضائية الاتحادية، على أن تكون الجهة الوحيدة لنظر الطعون الموجهة ضد الأحكام والقرارات الصادرة من جميع محاكم الاستئناف، سواء كانت محلية أم اتحادية» لافتاً إلى أن إثارة هذا الموضوع تأتي في ظل «الاتجاه السائد نحو تكريس المحلي وتقوية مؤسساته، ليس على مستوى القضاء فحسب، بل وفي مؤسسات مدنية أخرى، لا تقل أهمية عن القضاء.

 

وتمثل الإمارات ذات القضاء المحلي في المجلس الوطني الاتحادي بـ22 مقعداً، بينما تمثل الإمارات ذات القضاء الاتحادي بـ18 مقعداً، والإمارات ذات القضاء المحلي هي الأغنى، وخصوصاً أبوظبي ودبي».

 

من جانبه، اعتبر الباحث في كلية القانون جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا خليفة راشد الشعالي «إنشاء محكمة نقض (عليا) محلية في أبوظبي يقوّض مساعي الوحدة في المجال القضائي ويهدم المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القضاء في الدولة»، موضحاً أن «المشكلة تنحصر في وجود قضاء نقض أنشئ دون سند دستوري، تتبعه محاكم مختلفة، كانت في الأصل تابعة للقضاء الاتحادي وفي نطاق جغرافي حدده الدستور كعاصمة للدولة.

 

ويمارس هذا القضاء اختصاصه محلياً داخل الإمارة الموجود بها، في ظل وجود المحكمة الاتحادية العليا التي تمارس قضاء النقض على مستوى القضاء الاتحادي، ما يؤدي حتماً إلى اختلاف التفسيرات للتشريع، بما في ذلك الدستور» لافتاً إلى «أن كلاً من إمارتي دبي ورأس الخيمة لم تنضما إلى القضاء الاتحادي.

 

ولهذا، فإن التنظيم القضائي في ما يختص بتنظيم المحاكم في كلا الإمارتين، يتكون من محكمة تمييز تعلو التنظيم القضائي وتتبعها محكمتا استئناف وابتداء، بدوائرها المختلفة. وهي تحتكم إلى القوانين الاتحادية، إضافة إلى القوانين المحلية التي تصدرها الإمارتان لتنظيم شأن داخلي في الإمارة المعنية، وتختص المحكمة (العليا) في الإمارتين بتفسير القانون، بما في ذلك القانون الاتحادي، ما سبب تضارباً في التفاسير».

 

 ويخالفه الرأي عميد كلية القانون وأستاذ القانون المدني في جامعة الإمارات الدكتور جاسم علي الشامسي، إذ يرى أن  «إنشاء محاكم النقض المحلية جاء بهدف تطوير العمل القضائي في الدولة وتحقيق سرعة الفصل في القضايا المتكدسة التي زادت أعدادها بصورة مضاعفة ومعقدة نتيجة الزيادة المضطردة في أعداد السكان، ما استدعى معه أيضاً إنشاء محاكم متخصصة في النزاعات العمالية وأخرى للتجارية»، مضيفاً أن هذا لا يعني تقلص صلاحيات المحكمة العليا، إذ ستبقى تؤدي دورها على المستوى نفسه لمدة تزيد على 10 سنوات مقبلة، وإن كان ذلك مرهوناً بقدرات وإمكانات الإمارات الأخرى في إنشاء محاكم نقض محلية خاصة بها، وإن تراجعت أعداد القضايا التي تنقضها «الاتحادية» حالياً مقارنة بالفترات السابقة».


«الاتحادية العـليا» 
المحكـمة الاتحادية العـليا تتربع على هرم النظام القضائي، وهي تمثل رئاسة السلطة الثالثة في الدولة، لهذا فهي دستورياً، المرجع الذي يُلجأ إليه إذا ما ثار نزاع بين الإمارات الأعضاء في الاتحاد، وبين أي إمارة أو أكثر وبين حكومة الاتحاد، وهي وحدها المختصة بتفسير أحكام الدستور ودستورية القوانين، وتنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والقضاء المحلي وإليها ترفع دعاوى مساءلة وتأديب كبار الموظفين الاتحاديين.

 

وهي فوق ذلك المختصة حصرياً بنظر الجرائم التي لها مساس مباشر بمصالح الاتحاد، كالجرائم المتعلقة بأمنه في الداخل أو الخارج، وجرائم تزوير المحررات أو الأختام الرسمية لإحدى السلطات الاتحادية، وجرائم تزييف العملة، بغض النظر عن النطاق الجغرافي الذي وقعت فيه الجريمة. وهي وفقاً لذلك الحارس على قيم الدستور كما أراده الآباء المؤسسون، وهي الضامن الأكبر لحقوق وحريات الأفراد في مجتمع الإمارات، ومن هنا جاء تأكيد استقلالية  المحكمة الاتحادية العليا في نص الدستور.
 
تويتر