اقتصاديون يطالبون بـ«تقنين الجمعيات» لمواجهة القروض


حذر اقتصاديون من تنامي ظاهرة الجمعيات، بين الأفراد، دون أن يكون لها ضوابط، وإطار تشريعي ينظم العلاقة بين أعضائها، ويحفظ حقوقهم، مطالبين بـ«إيجاد نظام جديد يقوم على الفكرة نفسها، وتقنينها على اعتبار أنها يمكن أن تواجه ظاهرة القروض الشخصية من البنوك، والتي تشكل، واحدة من أهم مشكلات المجتمع».

 

وأكدوا أن «حجم القروض الشخصية التي تمنحها البنوك ارتفع خلال ثلاث سنوات بنسبة 100% تقريباً، حيث تشير إحصاءات البنك المركزي إلى أنها وصلت حتى عام 2006 إلى أكثر من 90 مليار درهم سنوياً».

 

وكان مواطنون ومقيمون، قد ابتكروا أسلوباً جديداً للادخار والاقتراض لمواجهة الفوائد المرتفعة التي تفرضها البنوك والمصارف على القروض الشخصية، التي غالباً ما يكون الهدف منها هو قضاء حاجة أساسية، لا يتحمل صاحبها أعباء مالية تضاف إلى تكاليفها الأصلية مثل: القرض للإيجار أو السيارة أو الزواج أو التعليم أو السفر، وغيرها من الحاجات الحياتية اليومية التي لا تدر ربحاً يعوّض الفوائد المالية المرتفعة عن القروض. حيث تعرف بين الهنود بـ «التشيت» وبين جنسيات إفريقية بـ«كُكلاوب» وعند الفلبينيين بـ«ميينا»، بينما يعرفها العرب بـ«الجمعية».

 

 وقال أستاذ إدارة الأعمال والمحاسبة بمعهد لندن للتدريب عمر ريان، إن «فكرة  نظام الادخار الجديد، تتلخص في اشتراك أكبر عدد من الأفراد في مجموعة واحدة ينظمها أحدهم، تدفع شهرياً أو نصف شهري أو أسبوعياً مبلغاً مالياً متساوياً يتم تجميعه ليحصل عليه أحد المشتركين، وفي الشهر التالي يحصل عليه مشترك آخر بالتناوب، ويتم ترتيب الأدوار إما عن طريق القرعة أو بالاتفاق بحسب أولوية حاجة المشترك إليها».

 

وأضاف أن «ارتفاع قيمة الفوائد البنكية دفعت العديد من الفئات الاجتماعية للبحث عن بدائل مناسبة، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، أدى إلى استنزاف الرواتب بحيث لا تستطيع تحمل أعباء الفوائد».

 

وواصل أن «فكرة «الجمعية» أساسها التكافل الاجتماعي والاقتصادي وهي فكرة قديمة ابتكرت قبل ظهور فكرة البنوك والمصارف كأحد الحلول الاقتصادية، التي تساعد الأفراد على قضاء حاجات طارئة أو مؤجلة، ومن ثم فإنها فكرة وافدة داخل المجتمع الإماراتي في الأساس»، لافتاً إلى أنها «تنتشر بين أوساط العمالة الوافدة ذات الدخول المتوسطة للتغلب على مشكلات «الفوائد الربوية» التي تفرضها البنوك، سواء من الجنسيات العربية أو الآسيوية».

 

ودعا الباحث الاقتصادي الدكتور عبداللطيف عبدالله إلى «إيجاد إطار تشريعي ما، ينظم العلاقات بين أفرادها ويساعد على نموها باعتبارها نوعاً من «القرض الحسن» الذي يخلو من الربا والذي يساعد أفراد المجتمع على تجاوز مشكلاتهم المادية دون آثار جانبية»، معتبراً أن «القواعد التي تنظم بها هذه «الجمعيات» غير كافية لحفظ حقوق المشاركين».

 

حل اقتصادي
وقالت  منسقة مبيعات بشركة دعاية وإعلان، نائلة واصل إن «جمعية من هذا النوع تُعد حلاً مثالياً لمشكلة القرض، وتحكي أنها استجابت لأحد وسطاء بنك خاص قدم لها عرضاً للحصول على قرض يساوى 40 ضعفاً لراتبها الشهري عن طريق استمارة مطوّلة لا يمكن للشخص العادي فهمها، وتحتاج إلى اقتصادي متخصص لتفسيرها».

 

وذكرت أن «الوسيط ركّز على ضآلة حجم الفائدة التي ستفرض على قيمة القرض بأنها أقل من 1% من حجم القرض، وتبيّن لها بعد توقيعها والحصول على القرض أن الفائدة تتعدى نسبة 20% والفارق هو كيفية حسابها شهرياً أو سنوياً»، مؤكدة أنها «لم تتخلص من هذا العبء إلا عن طريق «جمعية» شاركت فيها بثلاثة أسهم».

 

ورأت سلمى علم الدين أن «ثمة معوقات تقف أمام تعميم هذه الفكرة والاستفادة منها بشكل أفضل، أولها صعوبة تجميع عدد كبير من المشتركين الذين يجب أن تتوافر فيهم شروط الأمانة، لأن مجتمع الإمارات يتميز بأنه مجتمع مال وأعمال، وأكثر من ربع العمالة الموجودة بالدولة تنتقل سنوياً من مكان لآخر». 

 

مضيفة أنه «يوجد معوقات أخرى، منها أن عدداً كبيراً ممن يشتركون في هذه الجمعيات، يغادرون البلاد سنوياً، كذلك فإن الإعداد لها يحتاج إلى متسع من الوقت مما يعني أنها لن تفي بالحاجة الطارئة». «تشيت» إلى النيابة ويحكي قيّم حق، خياط هندي الجنسية، أنه خرج بأعجوبة من قضية نصب، رفعت ضده من أحد مواطنيه، بسبب  «تشيت»-جمعية- قائلاً: «استطعت في عام 2005 أن أجمع 40 مشتركاً في «تشيت» واحدة بقيمة 1000 درهم شهرياً لكل عضو، أي 40 ألف درهم شهرياً. 

 

وبعد تجميع الاشتراك الأول تم تسليمه إلى أحد المشتركين الذي كان مضطراً لدفع أجرة سنوية لسكن عائلته التي كانت بلا مأوى، وبمجرد استلامه المبلغ حجز على أول طائرة إلى بلاده، وغادر الدولة»، مشيراً إلى أنه «بالطبع لم أكن أحتفظ بما يثبت حصوله على هذه المبالغ، ولا ما يلزمه بردها، وعلى إثر ذلك تقدم بقية المشتركين ببلاغات ضدي للنيــابة التي أمرت بضبطي، ولم تفرج عني إلا بعد أن تعهــدت باستكمال التشيت، ورد الأموال إلى أصحابها».

 

مخاطرة
ويرى الباحث الاقتصادي الدكتور عبداللطيف عبدالله أن «هذه الفكرة هي ذاتها فكرة المصارف الإسلامية قبل أن تحيد الأخيرة عن اتجاهها الصحيح، فهي فكرة ادخارية غير ربوية يدفع فيها من يملك أموالاً فائضة، جزءاً من ماله حتى وقت محدد يسترد فيه كامل ما دفعه دون فوائد، وفي الوقت نفسه، يستفيد اذا واجه حالة فعلية طارئة، على أن يرد ما حصل عليه بالأقساط دون زيادة».

 

 ودعا عبدالله إلى «إيجاد نظام جديد يقوم على الفكرة نفسها، يمكن أن يواجه ظاهرة القروض الشخصية من البنوك الربوية والتي تشكل، واحدة من أهم مشكلات المجتمع الإماراتي»، قائلاً: إن «حجم القروض الشخصية التي تمنحها البنوك ارتفع خلال ثلاث سنوات بنسبة 100% تقريباً».

 

وذكر أن «منح القروض للأفراد محدد بالقانون رقم 12 لسنة 93 وتعديلاته، والذي يصل بالقرض الشخصي إلى ربع مليون درهم، وتصل نسبة الأقساط 60% من قيمة راتب المقترض»، موضحاً أن «بعض البنوك تمنح قروضاً للأفراد تتعدى الـ 50 ألف درهم لأصحاب رواتب لا تتعدى 3000درهم، ويصل إجمالي فوائدها إلى أكثر من 20% ما يعرّض العملاء إلى أزمات حقيقية قد تنتهي بالسجن، وإذا ما عرفنا عدد قضايا القروض الشخصية المتداولة حالياً يمكن التعرف إلى حجم المشكلة». 

 

وتابع أن «هذه الظاهرة الاقتصادية في حاجة إلى دراسة جادة تقدر حجم الأموال التي تدار عن طريقها، والتي يصعب تقديرها في الوقت الحالي».

تويتر