لا نريد أن نعرف
يريد الغرب اكتشافنا أكثر مما نريد نحن اكتشاف أنفسنا، أو إخضاعها للجدل والتحليل، فنحن أمة قنوعة بما لديها من أجوبة حاسمة، ومن ثبات في الأفكار والمفاهيم، في عالم يتغيّر كل ثانية، نحن متأكدون من كل شيء، ولا نعترف بأخطائنا، بقدر ما نبررها! الحوار مع أي غربي في أي مسألة، وإن كانت يومية، مثل الازدحام، أو المناخ في الخليج يتحول سريعاً إلى استجواب تضجر منه في البداية، لتكتشف بعد دقائق أن محدثك يريد أن يعرف كيف تفكر، وكيف تنظر إلى الأمور، وإلى أي مدى تؤثر ثقافتك العربية وموروثك العربي في التقييم والنتائج والأحكام.
نحن نتحدث معهم إما بانبهار حضاري، أو بانتقاد حاد، وحين نتحاور مع أي أميركي عن القضية الفلسطينية مثلاً نصبّ غضبنا على جورج بوش، ودعمه المطلق لإسرائيل، وربما نمعن في شتمه، متوقعين أن يسارع الرجل إلى الدفاع عن رئيس بلاده، كما تنتفخ أوداجنا ويغلي الدم في عروقنا حينما يحاول أي أجنبي أن ينتقد، ولو قليلاً، زعيماً أو بلاداً عربية، غير أننا نصاب بالدهشة بعد أن يتحدث الأميركي بدلائل وحجج عن سوء إدارة جورج بوش، ويؤكد أن الأميركيين هم الأكثر تضرراً من سياسته في الداخل والخارج.
قابلتُ قبل أيام رجلاً بريطانياً، سألني بالتفصيل عن رأيي في إصرار العرب على الاعتزاز بتاريخهم، وما الأشياء التي تجعل العربي أكثر غضباً وانحيازاً، وعن الإسهامات العلمية والفكرية التي قدمها العرب للأمة الإنسانية؟
أجبته بإسهاب عن كل ذلك، وكان يقاطعني ليعرف تفاصيل أكثر عن حركة الترجمة في العصر العباسي، أو عن ابن رشد، وابن خلدون، قبل أن يستغرب موقفي من تفجيرات 11 سبتمبر التي أخبرته بأنها فكرة همجية لا تقل إرهاباً وفظاعة عن ما ارتكبته واشنطن في أفغانستان والعراق وفلسطين، وأننا خسرنا كثيراً بفضل تلك الجريمة، وتعمقت خسائرنا مع الإصرار على تأييدها!
مثار استغراب محدثي البريطاني أنه يعتقد أن ما من عربي لا يؤيد أحداث 11 سبتمبر، وأن التطرف في السياسة الأميركية، لجهة دعم إسرائيل دون حدود أنتج تطرفاً عربياً كاملاً، لا يشذ عنه أحد. قال: نحن لا نعرف العرب، و صحيح أن الإعلام في الغرب يبالغ في التضليل والخداع، لكن الأسوأ أن العربي يخشى تقديم نفسه أو التعبير عن قناعاته الحقيقية، ووافقته على أن العربي ربما يخشى من سطوة المجتمع ومن قناعاته الراسخة والنهائية تجاه المواقف والأحداث أكثر من خوفه من العواقب الأخرى التي تنتج عن معارضة الأنظمة السياسية، وزاد أنه يعرف جيداً كم أساء رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير إلى شعبه حينما وقف بتبعية مستهجنة مع حروب الولايات المتحدة ضد العرب والمسلمين. لكن محدثي يعرف أنني أو أي عربي لا نملك الحق بانتقاد حكوماتنا في غياب شبه تام لحرية التعبير في العالم العربي، فضلاً عن أننا قطعيون بما لدينا، ولا نريد أن نعرف أكثر عن أنفسنا، وعن الآخرين! |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news