شالايان.. أزياء تــكره السياسة
|
|
قد يراه البعض مصمماً للأزياء، بينما يعتبره البعض الآخر فناناً معاصراً، إلا أن المصمم البريطاني، القبرصي التركي الأصول، حسين شالايان، استطاع أن يجذب إلى أعماله المهتمين بالأناقة والفن المعاصر، وهو الأمر الذي لم يقتصر على تصاميمه الشديدة الابتكار فقط، بل على عروضه العالية التقنية، والتي استطاعت أن تضع اسمه على قائمة أشهر مصممي الأزياء المعاصرين في العالم.
وما تتميز به تصاميم شالايان من إدخال لعالم الفن المعاصر، لم يقتصر يوما ما على ملاحظة ناقد للأزياء، أو مهتم بالمجال، بل كانت ميزة جلية جعلت المقدم البريطاني الشهير أندرو غراهام-ديكسون يخصص حلقة لفن شالايان، مشيراً في البرنامج إلى أن «عمله هو أقرب ما يمكن إلى الفن المعاصر، وهو الأمر الذي يمكن لكل من شهد تصاميمه النسائية عالية التقنية على مدى الـ 15 عاماً الماضية أن يلحظه». لكن أكثر ما يخشاه شالايان بصرف النظر عن المستقبل، هو السيــاسة، حيث بين في إحدى المقابلات أن «السياسة تدمر كل شيء، فهي سوء الفهـم الذي يدور في حــلقات متداخلة ببعضــها البعض، ذلك الذي تترتب عليه تبعات متداخــلة، هذا أكثر ما أخاف منه»، معــتقداً أن «الاســتغلال السيّئ للقــوة هو أكثر الأمور إثارة للخوف، بالإضافة إلى الجهل، وتحويل كل ما لا نعرفه إلى شيء شيطاني يجب الهرب منه، وقمعه». طفولة وتحديات ولد حسين شاغلايان، (غير اسمه لاحقاً إلى شالايان)، في نيقوسيا، عام 1970، وعانى شالايان الطفل من انفصال والديه عن بعضهما بعضا، ومع بقاء والدته في قبرص، ورحيل والده إلى لندن، جاء القرار في انتقال ابنهما إلى لندن والعيش مع والده عام 1982، وهو لا يزال في الـ12 من العمر، فواجه شالايان الطفل بذلك أربعة تحديات متتابعة في حياته، من انفصال والديه، وهو لا يزال صغيراً، وانتقاله للعيش في بلد مختلفة تماماً عما عرفه خلال سنوات عمره المتواضعة، بالإضافة إلى صدمة زواج والده عطا بأخرى، وعيشه منذ ذلك الحين مع زوجة أبيه، بالإضافة إلى الدراسة في مدرسة بريطانية داخلية متشددة، محروما من حنان والديه. وعلى الرغم من أن موهبة فذة كتلك التي يتمتع ويشتهر بها شالايان، إلا أن تصميم الأزياء لم يكن حلم الطفولة، بل كان اختياراً قرر الإقدام على تنفيذه في لحظة أخيرة ودون تفكير عميق، حيث كان الطيران والتحليق بطائرته بعيداً عن الأرض هو ما كان يتمناه شالايان الطفل، بالإضافة إلى حلمه أن يكون مصففاً للشعر، ومن ثم ممثلاً، بالإضافة إلى التخصص في مجال الهندسة أخيراً، إلا أن دراسة الهندسة لم تستهويه كما كان يتخيل، ولم تأخذ دراسة الهندسة زمناً طويلاً من حياته، محولاً تخصصه في اللحظة الأخيرة إلى الفن، ملتحقاً بجامعة ساينت مارتينز الفنية، في لندن، حاصلاً على شهادته عام 1993، وهي الشهادة التي ترافق مع حصوله عليها ابتهاج وتوقعات عالية بين المحيطين به. مجموعة مدفونة واستطاع شالايان من خلال مجموعة التخرج أن يحظى باهتمام كبير من قبل صناع الموضة والمهتمين بها، حيث بيعت مجموعته التي أسماها «تموج جانح» بأكملها من قبل «براونز»، وهو أحد أشهر متاجر الماركات العالمية، في العاصمة البريطانية لندن، وهي المجموعة التي دفن خاماتها في أرض باحة منزله الخلفية مع قطع معدنية، ليعطيها التأثير المعتق، بينما رغب شالايان أن يزود منصة العرض بقطع من المغناطيس، التي ستعمل على جذب عصي المعادن في قطع المجموعة، إلا أن الأمر لم ينجح. لم يكن الحظ فقط، وراء نجاح شالايان، بل الموهبة والابتكار وتقديمه لما هو مختلف، ففي عام 1995 استطاع شالايان، الذي كان قد حصل على الجنسية البريطانية في ذلك الوقت، وهو لا يزال في الـ 25 من عمره، الفوز في واحدة من أهم مسابقات تصميم الأزياء في بريطانيا، منتزعاً الجائزة من أكثر من 100 مشارك في المسابقة، حيث نال الدعم المادي لانطلاقته المهنية بمبلغ 28 ألف جنيه إسترليني، ولابتكار تصاميم لأسبوع لندن للموضة في أكتوبر عام 1995، مقدماً مجموعته الأولى التي حملت اسمه، بينما كُرم عام 1998 مصمماً للعام وهي الجائزة البريطانية السنوية في مجال الأزياء. عقد أميركي كان شالايان لا يزال يعمل على تصاميمه وخط أزيائه الخاص، حين قررت شركة «تي إس إيه» النيويوركية المتخصصة بملابس الحياكة، أن تعينه مستشاراً للتصميم، بالإضافة إلى عمله على علامته التجارية الخاصة، وهو التعاون الذي استمر حتى عام 2001، العام الذي قررت فيه الشركة عدم تجديد العقد مع شالايان. ولطالما عانى شالايان في مجال الرعاية والدعم المادي، بينما تسبب قرار شركة «تي سي إي» بعدم تجديد العقد، بمزيد من المتاعب المادية في مجال التصميم، حيث وجد نفسه غارقاً في ديون وصلت إلى 250 ألف جنيه استرليني، وكان مجبراً على تصفية أعماله وتسييل أمواله، إلا أن ذلك لم يوقفه عن إعادة تأسيس شركته الخاصة فعاد عام 2001، ولكن دون عرض أزياء، انما بالمجموعة التي انتشرت في فروع محال «ماركس وسبنسر»، بينما عمل زملاؤه من مصممين على مساعدته على العودة، حيث ساعده المصمم الإيطالي غيبو، بالإضافة إلى مصمم المجوهرات البريطاني أسبري، والذي عين شالايان مديراً للأزياء في العام ذاته، وفي محاولات لتحسين أوضاعه قام شالايان بتوسيع عمله عام 2002، ليبتكر خطاً لتصميم أزياء الرجال، إلا أنه وفي مواجهة مشكلاته المالية، عانى انتقال مشغله الخاص ثلاث مرات، إلى أن استقر به الحال في العمل وفريقه في منزله الخاص، بينما قرر نقل عروض أزيائه إلى باريس. ابتكار استطاع شالايان خلال سنوات عمله أن يطور سمعته، حول مدى جديته في ابتكار الجديد، حيث عرف عنه تفاديه لاستعارة الأفكار من تاريخ الأزياء وأرشيفه، كما يفعل أغلب المصممين، بينما كان دائما ما يتفادى الشبكات الاجتماعية لعالم الأزياء والمحيطين به، وقد يكون الأمر الذي جعله يواجه متاعب في الحصول على الرعاية المالية، إلا أن الأمر جعله يعرف بعصاميته، وكانت جديته في تقديم المبتكر تصل إلى واقع أنه وفي مجموعات عديدة، يتفادى فكرة الأكمام، أو فتحاتها، جاعلاً العارضات يقدمن فساتين بأذرع مقيدة بالفساتين، وهو الأمر الذي بين في إحدى المقابلات أنه يقوم به «لمجــرد العرض فـقط، فلا أتوقع من النساء أن يرتدين هذه التصاميم بالفعل». تتميز تصاميم شالايان بتأثيرها المعاصر، وحرصه الدائم على إدخال الأفكار الغريبة وغير المسبــوقة إليــها، حريصاً على تقديم أفكار شديدة التطرف والغرابة بأبسط شكل ممكن وأقل تكلفة ممكنة، ورغم الغرابة في التصمــيم، إلا أنها عــادة ما تميل إلى شكل بسيط من الكآبة والغموض، مثل أفكار مصاصي الدماء، والقبور، بطريقة مبتكرة بتقنية لافتة، وأنوثة عالية.
إهانة للموضة
اشتهر شالايان بنقده لما يسمى بـ«موضة المشاهير» وهي فكرة أن يتحول ممثل أو مطرب أو عارضة أزياء إلى تصميم الأزياء، معتمدين بذلك على شهرتهم بدلاً من موهبتهم، قائلاً في إحدى المقابلات «لم على كايت موس أن تصمم؟»، وهي عارضة الأزياء البريطانية الشهيرة، معتبراً أن ذلك مهين لمصممي الأزياء الحقيقيين، «أنه أمر مهين لنا نوعاً ما، أنه كما لو كانت تقول، إنه يمكنني أن أبيع المزيد من الملابس، من علامتي التجارية منك أنت أيها المصمم الموهوب»، موضحاً أنه لو كان شخصية شهيرة، فإنه يفضل أن يقدم نشاطاته في مجال آخر أكثر إفادة.
|