المهنة.. وراثـة خـارج الـبيت والجينات


يبدأ كثير من الصبيان بمساعدة آبائهم في مجالات عملهم، من باب الفضول أحياناً، فيذهبون معهم الى العمل في العطلة الصيفية أو حتى العطل الأسبوعية، لينتهي بهم الأمر أحياناً الى اختيار هذه المهنة لتكون مهنتهم الخاصة. يبدأون مشوار الحياة من خلال عمل يكملون به مسيرة الآباء، يسيرون على خطاهم، مثبتين أن الوراثة لا تقتصر دائماً على الجينات أو حتى العادات والقيم، بل تتعدى ذلك لتصل الى المهنة التي ترسم حاضر المرء ومستقبله. ويبدو أن توارث المهنة من الامور التي تعزز التواصل بين الماضي والحاضر، ولكن لكل شخص قصته الخاصة مع المهنة التي ورثها، «الإمارات اليوم» رصدت قصص أشخاص ورثوا مهنهم عن آبائهم. 

الاستقلالية مهمّة
ورث وسيم خزام مهنة التصوير عن والده، إذ دخل هذا المجال وهو مازال صغيراً، إذ يقول «بدأت العمل في مهنة التصوير بعدما أنهيت المدرسة، ولم أكمل دراستي الجامعية، فعملت مع والدي في محل التصوير الخاص به، إذ كنت أرافقه الى العمل لأساعده، وهكذا دخلت هذا المجال وتعلقت به»، ويتابع خزام وصف بدايات عمله قائلاً، «كنت اذهب في البداية مع والدي الى العمل من باب الواجب، لأني كنت الشخص الوحيد المخوّل بمساعدته وتسلم المحل، لذا لم أكن مولعاً بالمهنة ولم يكن يخطر لي العمل كمصور، لكني ما لبثت ان تعلقت بها، وبدأت اعمل على تطوير نفسي، فقد غصت في اعماق أسرار هذه المهنة التي سلمني إياها والدي»، ويضيف خزام، «أعمل في هذه المهنة منذ 15 عاماً، واليوم أشعر بأني حققت الكثير من الإنجازات في هذا المجال، فمن الصعب على والدي إدخال التقنيات الجديدة التي دخلت هذه المهنة، فكان عمله على الماكينات القديمة وتظهير الصور معقد ومتعب، اما اليوم فبواسطة آلات التصوير الرقمية بات عملنا أسهل، إلا انه يتطلب الإلمام بهذه التكنولوجيات، والتي لا يمكن لشخص بعمر والدي التعامل معها بمرونة، لذا كانت متابعتي ضرورية في هذا المجال». وعن توسيع مهنة والده يقول خزام «سعيت جاهداً الى توسيع محل والدي، وقد تمكنت من ذلك، إلا انني عدت وانفصلت عنه لتأسيس عملي الخاص، فالاستقلالية من الامور المهمة، لأن انفصالي عن والدي اثبت لي أن هناك الكثير من الامور التي يمكنني ان احققها بمفردي وليس من الضروري ان ابقى تحت عباءة والدي الى الابد، فمسألة الاستقلالية مهمة»، ويستدرك قائلاً «لا أنكر أن العمل مع الوالد يشعر المرء بالاطمئنان كون الثقة تكون قوية، فما من احد يمكنه ان يعلمني أسرار المهنة كما علمني إياها والدي، بالاضافة الى ان عملنا سوياً عزز من تفاهمنا وزاد الثقة بيننا»، وختم خزام بالقول، «أطمح الى أن أكون كوالدي الذي حقق نجاحه بعصامية وإرادة قوية». 

الأب أكثر صبراً 
أما التاجر جورج خزام فدخل مجال تجارة الذهب بسبب عمل والده في هذا المجال، ويقول «لاإرادياً يشعر المرء أنه قريب من مهنة والده، وأنه منخرط فيها، لأنه يرى هذه المهنة بسيئاتها وحسناتها عن كثب. فمنذ طفولتي كنت ارى ما يعانيه والدي في هذه المهنة، وفي الوقت عينه ألاحظ فوائدها وكيف كانت تريحه، فتجارة الذهب، مهنة تتطلب الذوق وتعود بالفائدة المادية على صاحبها». وعن تعلّم التجارة من الوالد يقول خزام «من خلال تجربتي الخاصة يمكنني القول إن الوالد هو افضل شخص يمكن ان يعلمني مهنتي، فقد عرّفني إلى أسرارها كاملة دون الحاجة الى اخفاء بعضها كوني لست من سينافسه مستقبلاً، بل إنني الشخص الذي سيتابع مسيرته، بالاضافة الى أن الوالد هو أكثر الاشخاص صبراً على ابنائه، فهو الذي تابع طفولتهم ويفهم كيفية التعامل معهم». ويرى خزام «ان بداية العمل مع الوالد يعني انه لن يكون على المرء البدء من الصفر فالطريق ممهدة، وهذا يسهل العمل». اما في ما يتعلق بالاستقلالية، فقد اكد خزام انها مسألة تختلف من شخص لآخر، «فبالنسبة لي، لم أعد أرى نفسي في مهنة مختلفة عن مهنة والدي، فبرغم سفري وانفصالي عنه، إلا انني لم اترك المهنة فقد تركت بلدي واليوم اعمل في المجال ذاته، في حين ان اخي  الذي كان يعمل في المهنة ذاتها اتجه الى مجال يهواه وهو بعيد كل البعد عن تجارة الذهب»، ولا شك ان العلاقة بين الاب والابن تتغير حين يعملان معاً، وهذا ما علق عليه خزام قائلاً، «اصبحت علاقتي بوالدي اقوى من قبل، فقد اصبحت علاقة أخوية، وهذا ما دفعني الى تطوير عمل والدي، لا بل وابتكار افكار جديدة ادت الى تعلقي بالمهنة أكثر فأكثر». 
 
اختيار موفّق
يقول مدرس اللغة العربية نهيل زين الدين، إن اختيار اولاده لمهنة التدريس لم يأت بطلب منه بل كان بسبب «بعض الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تملي على المرء أموراً لا تكون في الحسبان»، ويتابع زين الدين شارحاً دخوله مهنة التدريس، «أنهيت الثانوية العامة وبحثت عن أقرب طريق لكسب المال كي اساعد عائلتي، فعملت مدرساً في المرحلة الابتدائية، ثم انتقلت بعدها الى بيروت ودرست اللغة العربية كونها اقرب المواد الى شخصيتي، لأعلّم بعد ذلك اللغة العربية في مدارس دبي»، ويوضح زين الدين دخول اولاده مجال التعليم، «اما اختيار اولادي للمهنة فقد جاء بحكم من الظروف الاجتماعية وليس الاقتصادية، إذ اختار ابني الاكبر دراسة اللغة العربية، بسبب الاقامة التي كانت ستلغى عند بلوغه سن ال18، مما دفعنا الى اختيار اختصاص لا يحتاج الى الكثير من الوقت، فكانت اللغة العربية الاختيار الأمثل. فيما يعود اختيار ابنتي لدراسة اللغة الانكليزية وتدريسها الى امتلاكها فكرة مسبقة عن هذا الاختصاص». وأكد زين الدين «أنا على قناعة ان الظروف اثبتت لأولادي ان هذه الاختيارات كانت موفقة، وهم اليوم يتمتعون بوظائف ذات مراكز محترمة ومهمة في البلد». 

تعزيز الترابط الأسري 
أما راشد بن عفرة الذي يمارس مهنة تربية الجمال والتي قد أخذها عن أهله فيقول في هذا الصدد، «إن حبي للمهنة هو الذي دفعني إلى ممارستهـا، فقد تعلمت أصولها من والدي وجدي وأعمامي. ورغم أني حاولت الدخول في أكثر من مجال ومنها تربية الخيول أو حتى بعض المجالات الرياضية والمهن الحرفية، إلا أنني يمكن ان اقول إن حبي للجمال أعادني الى هذه المهنة». ويتابع بن عفرة وصف هذه المهنة «هناك الكثير ممن تركوها كونها من المهن التي باتت من التراث، وحتى ان البعض نسي اسماء الجمال، وكيــفية التعاطي معها، إلا انني آثرت الحفاظ على هــذه المهنة التراثية لاني اعتبر التراث هو الاساس، ومن لا يملك تراثاً ليس له اساس في الحياة». ويرى بن عفرة «ان الانسان يجب ألا يخرج من جلده مهما تطورت الحياة وتغيرت، لذا برغم التطور الحاصل في دبي، إلا انه علينا ألاّ نترك تراثنا وتقاليدنا». 

وراثة الهواية
يعتبر عبدالغني القباني وهو الذي ورث هواية الملاكمة عن والده، «ان الشغف بهذه اللعبة كان منذ الصغر ،فالولد ينظر الى أبيه على انه القدوة والمثل الأعلى، وهكذا كنت انظر الى والدي الذي كنت اجده بطلاً». ويتابع القباني الحديث عن دخوله مجال الملاكمة، «ان ممارسة هواية الملاكمة بدأت معي منذ الصغر، فقد احببت هذه اللعبة، رغم طلب والدي عدم الانخراط فيها لما تحمله من ايذاء للشخص، إلا انني مارستها كوني احببتها كثيراً، وحصلت على اكثر من بطولة في هذا المجال، وهذا ما دفع والدي اليوم الى تشجيعي للاستمرار في اللعب، والمضي قدماً لتحقيق المزيد من البطولات». ويختم القباني بالقول «إن الوراثة لا تقتصر على المال أو حتى الجينات التي نأخذها من آبائنا قبل الولادة، فهناك الكثير من العادات او الهوايات التي نرثها عن اهلينا وننخرط فيها لاإرادياً، وترسم خطى حياتنا المستقبلية دون أن يكون ذلك في الحسبان».
 
المهن المتوارثة    
 هناك الكثير من المهن التي تفرض على الأبناء العمل فيها لأكثر من سبب، وغالباً ما تكون هذه المهن إما ومربحة وتؤمّن للأسرة مستوى حياة راقياً، مما يدفع الأبناء الى إكمال مسيرة الآباء، أو على العكس من ذلك مهنة صعبة تفرض على رب الاسرة اصطحاب أولاده الى العمل معه للمساعدة على تأمين مصروف المنزل. ومن أكثر المهن الراقية المتوارثة، الصياغة، التجارة، العقارات. أما أكثر المهن الحرفية الصعبة والمتوارثة فهي العمل في الطلاء، الخياطة، والعمل في الأدوات الفخارية والنحاسية.
  
تويتر