«محاكمة القتلة» تسبق أي مصالحة وطنية


ترك الاقتتال الداخلي الفلسطيني بين منظمة فتح وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)  منذ  عام مضى، فاجعة لا تُنسى في حياة عائلات ضحاياه من الأطراف السياسية المتناحرة، واعتبر معظمهم أن المحاسبة شرط يسبق المصالحة، فيما وصل الحال بزوجة ضحية إلى إعلان كفرها بكل الشعارات السياسية، معتبرة أن العالم كله لم يعد يعنيها بعد مقتل زوجها.  

عائلة جوجو أصابتها فاجعتان اخترقتا قلبها في أقل من شهر، حيث قتل ابنها الصحافي عصام، 22 عاماً، خلال توجهه إلى بيت جده بعد أدائه صلاة المغرب في المسجد القريب من منزله بتاريخ 15-5-2007، لتنهك الآلام قلبها بقتل نجلها البكر عوض، 24 عاماً، الذي تم العثور على جثته محترقة في مقر الأمن الوقائي في اليوم الأول لسيطرة حماس على القطاع بعد خطفه بأربعة أيام على يد مسلحي «فتح».

وقالت أم عوض لـ«الإمارات اليوم» وهي تبكي: «إن الظلم الذي كوى قلبي على أبنائي عوض وعصام اللذين كانا يملآن عليّ الدنيا لن يُنسى أبداً، لقد مضى عام على مقتلهما  جراء الاقتتال الداخلي وكل يوم يمر علينا لا تفارقني صورتهما وهما جثتان هامدتان، وصورتهما لا تفارقاني في منامي، لقد قتلوا عصام بطلقة واحدة بمنطقة خطرة في الرقبة وهو خارج من المسجد متجهاً إلى منزل جده القريب منا وذنبه  أنه كان يعمل صحافياً».

وتابعت قولها: «أما عوض الذي كان استشهاده الضربة القاضية لي وأدمى قلبي، فبعد أن استشهد ابني عصام مكث عوض هو وزوجته في بيتنا مدة 25 يوماً، وقد طلب مني بعد ذلك أن يتوجه لبيته في تل الهوى لإحضار ملابس له ولزوجته، وقد تم خطفه حيث الحواجز، وفقدناه، ولم يصلنا أي خبر عنه إلا بعد سيطرة حماس حيث وُجد جثة منكلة متفحمة. 

وأضافت أم عوض «كان أبنائي روحاً واحدة في الدنيا ورحلوا للآخرة معاً، لكن أنا وين أروح؟ رحلوا وأخذوا روحي وحياتي معهم».  وشددت على ضرورة معرفة قتلة أبنائها وتقديمهم للمحاكمة، حيث قالت: «لقد مضى عام ولم يأت لنا أي أحد يعرفنا بقتلة أبنائنا ونريد القصاص منهم، فنحن نعلم أن الله قد كفله في كتابه العزيز ولكن يجب أن يحاكم القتلة حتى تخف حدة الشحناء في قلوبنا».

وأكدت أم عوض أن الوحدة الوطنية التي يتطلع لها الساسة الفلسطينيون لن تقام على دماء أبنائها وضحايا الاقتتال الداخلي دون أن يحاسب القتلة، وقالت: «نحن حذرنا حماس قبل فتح، أنه إذا حدثت مصالحة على حساب دماء أبنائنا ودون معرفة القتلة ومحاكمتهم فسنقلب الطاولة رأساً على عقب، فإن لم يفعلها الرجال فنحن الأمهات سنكون الحصن للدماء الغالية التي سالت ومزقت قلوبنا».

ونوَّهت إلى أنه إذا لم تتم محاكمة القتلة فإن ذلك من شأنه أن يوسّع حجم الجراح داخل عائلات الضحايا ويدفعهم إلى أن يأخذوا بحق دماء أبنائهم بأيديهم. وقال والد عوض الجوجو: «على الرغم من مرور عام على أحداث الخلافات السياسية الداخلية التي أودت بحياة العشرات من المواطنين إلا أن العائلات تعاني تمزقاً شديداً بعد رحيل أبنائها ضحايا بلا ذنب اقترفوه».

وتابع قوله: «لقد وفرنا لأبنائي كل شيء في الحياة وبذلنا الكثير حتى يتعلموا وقد تخرجوا في الجامعة بأفضل الدرجات وكانوا من رواد المساجد ويتحلوا بأسمى الأخلاق ولكن ما زاد من جرحي أن مَنْ قتلهما هم مجموعة من الشباب غير المتعلمين الذين التحقوا بصفوف أجهزة الأمن مقابل أن يحصلوا على المال». 

وأضاف وهو يبكي: «لقد رحل أبنائي وتركوا فراغاً كبيراً في حياتنا، لقد كانت رؤيتهم ووجودهم حولي يكفياني عن الحياة».

وأشار إلى أن ما حدث في الاقتتال الداخلي هو إجرام سياسي ممنهج، حيث تم قتل أبناء العائلات لمصالح حزبية وأجندات غير فلسطينية، وقال متسائلاً: «ما هو ذنبهم أن يكونوا ضحايا والكبار لا يصابون بأي ضرر بل تزداد مناصبهم؟».

أما عائلة وليد قنيطة، 34 عاماً، الذي سقط ضحية أثناء أحداث سيطرة حماس على مقرات الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بتاريخ 12-6-2007، فقد يُتِّم سبعة أطفال وحُرموا من والدهم، كما حُرمت أمه وزوجته منه، حيث كان هو الوحيد الذي تعتمد عليه الأسرة في كل شؤون الحياة.

وقال محمد، شقيق قنيطة: «لقد قضى أخي وهو على أرس عمله في مقر الأمن الوطني جراء قيام عناصر حماس بعمليات السيطرة على المقرات الأمنية وتم إطلاق النار عليه بشكل مباشر، وهذا ما كان واضحاً من آثار الرصاصات التي اخترقت جسمه ليقع أخي ضحية لمصالح حزبية دون أن يرتكب أي ذنب إلا أنه كان موجوداً على رأس عمله ولم يرضَ أن يخرج من مقر جهازه الأمني لحظة أحداث السيطرة».

وأضاف «إن رحيل شقيقي وليد مزَّق حياتنا وترك فيـنا حزناً كبيراً، حيث إنه البكر لوالـدي ولديه سبعـة أطفـال وهـو الذي كان يُعتـمد عليـه في كل شـؤون الحـياة إلا أن أطفـاله يبكـون دائماً عندما ينظـرون إلى صـورة والـدهم ويقولـون: وين راح بابا؟».

ّه إلى أن جراح عائلته لم تلتئم، وأحزانهم لن تُنسى رغم مرور عام على أحداث الاقتتال الداخلي وسقوط الضحايا من أبناء العائلات، مشيراً إلى أن ما يخفف من هذه المآسي هو معرفة القتلة الذين أطلقوا النار على شقيقه ونكلوا بجسده.

عائلة هاني قلجة، 29 عاماً، الذي قضى وهو يحضر الطعام لزملائه من عناصر القوة التنفيذية الذين كانوا محاصرين في مقر عمله بتاريخ 16-5-2007، تعيش في حالة تشتت فقد ترك أربعة أطفال، أصغرهم كان عمره عاماً واحداً، وكان هو السند لزوجته وصغاره. وقالت أم صالح، زوجة قلجة، ومعالم الحزن لا تفارق وجهها: «إن كل ما في حياتي جراحات وعذابات رسمتها سياط اللئام على جسد زوجي هاني، لقد شنقوه ومزقوا جسده وألقوه في الطريق على باب مقر الأمن الوقائي، لقد رأيته قبل عام جسداً ممزق ووجه مشوَّه، هذه الصورة لا زالت محفورة في ذاكرتي». 

وتابعت قولها: «لقد رحل زوجي الذي كان سندي الوحيد في هذه الدنيا وترك أربعة أطفال ليذوقوا عذاب اليتم دون أن تمد يد عائلة زوجي لنا، بل طردونا من شقة زوجي التي بناها لنا لأبقى أسيرة الحزن في بيت أهلي منذ عام». 

وقال الابن البكر قلجة صالح، ثمانية أعوام، متسائلاً: «لماذا قُتل والدي الذي كان يذهب إلى المسجد ويقرأ ويعلِّم القرآن وكان محباً للخير؟ لقد حرموني أنا وأخوتي الصغار من حنان بابا ومن حقنا في أن يكون لنا أب يوفر لنا كل ما نحتاجه». 

وقالت زوجة قلجة لـ«الإمارات اليوم»:  «نحن لا نريد وحدة لأن مَن تسبب في قتل زوجي وغيره من أبناء العائلات لم تهمه الوحدة وكان زوجي ضحية هذه الخلافات الرخيصة». 

وأضافت: «بعد أن رحل زوجي وتشتت حالي لن يكون للوحدة أو أي أمر سياسي أدنى اهتمام لّ، فسيكون همي الأكبر أن يعينني الله على تربية أبنائي تربية صالحة».  
 
 
قنيطة: ليت شقيقي قُتل على يد الاحتلال  
قال محمد قنيطة: «إن عائلتي  لم تخفْ على أبنائنا من قوات الاحتلال لأنهم يقاومون عدو دينهم ومحتل أراضيهم، ولكن خوفهم كان من الذين تناحروا من أجل مصالح حزبية وشخصية، فلو استشهدوا بيد الاحتلال كان أهون على أنفسنا من أن يقتلوا على أيدي فلسطينية ولم نعرف من الذي قتله».  وأوضح أن الوحدة الوطنية مهمة لحياة الشعب الفلسطيني، وتخفف من آلامه وتوحد رأيه، ولكن إذا أقيمت دون القصاص من قتلة أبناء العائلات في أحداث الاقتتال الداخلي فستكون مهدد بالانهيار في كل وقت.
 

الأكثر مشاركة