«دلتـا».. مجابهة المحرّم بالقتل
الهدوء يسبق العاصفة، بديهي! ولعله ليس كذلك أبداً، حين يترك الأمر للكاميرا أن تستسلم تماماً للقطات طويلة تستوطنها مشاهد تلك الطبيعة الساحرة التي تمضي فيها أحداث الفيلم البلغاري «دلتا» الذي عرض ضمن أفلام المسابقة الرسيمة في الدورة الـ61 من مهرجان كان السينمائي، وكاستدراك آخر، ليست أحداثاً، بل حدثان أو ثلاث، والبقية متروكة لتلك السكينة التي يمليها تحالف الطبيعة مع الشخصية الرئيسة في الفيلم التي تقرر هجران كل شيء والالتصاق بالطبيعة.
يخترق فيلم «دلتا» الذي أخرجه كورنل موندروزو محرماً، أو ناموساً كونياً، ويمضي بنا للوصول إلى نهايته العاصفة بهدوء، والتي تأتي محكمة ومؤلمة، وعلى شيء من القصاص الذي يجتمع عليه أهل القرية التي تجري فيها أحداث فيلم «دلتا».
فالفيلم وكما يتضح من تقديمنا له، يستدعي أولا إيقاعاً بطيئاً يحتفي بكل التفاصيل، ولعله على صعيد الأحداث يتمركز حول العلاقة المحرمة التي تنشأ بين الشاب العائد إلى قريته وأخته التي كما ندرك لم يكن يعرف عنها شيئاً، ومع مضيه نحو الغابة وبنائه كوخاً هناك، تتبعه أخته وتعيش معه، وليمضي الفيلم هنا نحو الاحتفاء بكل ما له علاقة بالطبيعة، أثناء قيامهما ببناء الكوخ، والرصيف الخشبي الذي يمتد داخل البحيرة التي يقع على ضفافها ذاك الكوخ، إلى أن يقع المحظور بينهما وتنشأ علاقة حب محرم بين الأخوين، الذي سيكون معبراً لما ينتـظرهما في النهاية.
قبل الوصول إلى النهاية، فإن الأخت فونا تتعرض لاغتصاب على يد عشيق أمها، ولعل المشهد وكيف قدم له الكثير من ما يمثل في الذاكرة، حيث تصور الواقعة من مسافة بعيدة بعض الشيء ومترافقة مع المطر وقرب كوخ خرب، ولتكون هذه اللقطة تمهيداً لنهاية أشد قسوة لها أن تتربص بها وبأخوها.
يقول المخرج موندروزو إن هدفه من الفيلم ليس تقديم علاقة «سفاح المحارم» بقدر ما يصور الفيلم السلطة التي يمنحها الناس لأنفسهم في الحكم على الآخرين، إضافة للأعراف التي تنتصر أولاً وأخيراً على أي قانون، وهذا تماماً ما يمضي إليه الفيلم، وبعبارة أخرى، مجابهة المحظور بمحرم أشد فظاعة ألا وهو القتل، حيث نرى وبعد أن تعلق في شباك الأخوين كمية هائلة من الأسماك، كيف يدعوان أهالي القرية للعشاء ومشاركتهما السمك.
أثناء العشاء وتلبية جميع أهالي القرية للدعوة، نشاهد مجموعة من الشبان يقومون بتعذيب فونا، وبطريقة مفرطة القسوة، يضعون في يدها بطيخة ويسكبون عليها كحولاً ويقولون لها «اشربي يا عاهرة» وغير ذلك من التفاصيل المؤلمة، وصولاً إلى قتلها، ومن ثم رمي أخوها في البحيرة عند محاولته إنقاذها، وإبقاء أحد الشبان رجله فوقه للتأكد من غرقه.
كل ذلك يحدث في ما لا يتجاوز الـ10 دقائق، ولتمضي الكاميرا بعد ذلك، أو اليوم التالي خلف السلحفاة التي كانت تربيها فونا، وكيف تتعقبها وهي وحيدة وحائرة ومن ثم تغوص في الماء. فيلم «دلتا» فيلم مشهدي، إيقاعه بطيء وتأملي إلى أبعد الحدود، ولعله يختزن كل شيء للنهاية التي تأتي خاطفة، مفاجئة وغير مفاجئة في آن معاً، لكنها بالتأكيد مؤلمة، ليبقى السؤال معلقا بمشاهدة الفيلم نفسه، لأنه من تلك الأفلام التي تكون فيها الكيفية التي قدم فيها أحداثه وشخصياته، النقطة الرئيسة التي يبني عليها خصوصيته. |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news