استطاعت مصممة الأزياء النيويوركية بيتسي جونسون، أن تبني نجاحها في تصميم الأزياء من خلال اتباعها لقواعدها الخاصة فقط، مبتعدة عن كل ما هو تقليدي ومتعارف عليه، مشتهرة باحتفائها الدائم بما تقدمه، واحتفائها بالحياة ككل.
وبين طفولة مليئة بدروس الرقص وحكاياه الخيالية، وشيخوخة كافحت مرض سرطان الثدي، استطاعت الأم والجدة جونسون أن تحول عروض أزيائها إلى منصة للاحتفاء بحياتها، مشتهرة بعرضها الشخصي لتصاميمها عند نهاية كل عرض، وبتحول عارضاتها إلى راقصات أمام عدسات المصورين ومجموعات عرفت بأنوثتها الشديدة الممزوجة بخفة وعفوية وبغرابة في الابتكار.
ولدت بيتسي جونسون في 10 أغسطس من عام 1942، في مدينة ويذرسفيلد في ولاية كونيكتيكيت الأميركية، قاضية طفولتها بين حصص الرقص، التي كانت بالإضافة إلى شغفها بملابس الرقص، بداية الطريق لما أصبح عليه مستقبلها، ولم يكن من الطفلة الشغوفة بالرقص، والمراهقة المهووسة بتصميم ملابس الرقص الخاصة بها، والمحبة للحياة وغرابتها سوى أن تلتحق بمعهد برات، بعد إنهائها الدراسة الثانوية، ملتحقة بعد ذلك بجامعة سيراكوس متخصصة في فلسفة الحياة، كما كانت عضواً في نادٍ نسائي حصري يدعى «ألفا ديكسي ديلتا»، ورغم ما اعتقده من عرف جونسون في شبابها حول صعوبة نجاحها في عالم الأزياء، سواء كان للظروف المادية غير المستقرة، أو لشخصيتها المجنونة المحبة للمرح الدائم والمفعمة بالدعابة، إلا أنها استطاعت أن تثبت قدرتها على تحقيق حلمها.
محررة أزياء
كان العام 1964 هو العام الذي تمكنت خلاله جونسون أن تدخل رسمياً عالم الأزياء، وذلك بعد أن حازت جائزة لمجلة «مودموزيل»، جعلتها تعمل محررة أزياء لمدة عام، وكانت تلك الخطوة الأولى في عالم جونسون للأزياء، متمكنة من تكوين محيط من العلاقات الجيدة، والتي مكنتها، بعد عام واحد من نيل الجائزة، من الحصول على منصب المصممة الرئيسة لمتجر أزياء «بارافيرناليا» الذي كان يضم في تلك الفترة مجموعة من أشهر المصممين البريطانيين، من ماري كوانت، وباكو رابان، وآخرين، وهو المكان الذي شهد تطور بصمة بيتسي جونسون الشهيرة، من خطوط مثيرة، وخامات مستوحاة من الأفكار الهيبية بتموجاتها واندفاعها العفوي، التفاصيل الغريبة، والملائمة الدقيقة للقصات على الجسم.
ثورة الحرية
لم تسلم حياة جونسون الشخصية من جموحها المجنون، في فترة أواخر الستينات، التي عرفت بموجة التحرر الكبير التي عاشها العالم، وفي عالم موسيقى الروك الذي جسد جنون هذه الفترة، تزوجت جونسون من المغني الرئيس ومؤسس فرقة الروك الشهيرة «فيلفيت أندر غراوند» جون كيل، عام 1968، لتنطلق منه لاحقاً في نفس العام، ولتدخل في علاقة غرامية لاحقاً بنحات لثلاثة أعوام، نتجت عنها ابنتها الوحيدة «لولو» عام 1975، والتي تعمل حاليا معها، بالإضافة إلى حفيدتها لايلا، وفي قمة نجاحها في الثمانينات تزوجت جونسون مرة أخرى.
انغمست جونسون بما سمي في تلك الفترة بـ «زلزال الشباب» لتجد نفسها في «مشهد وارهول» الشهير في ستينات القرن الماضي، حيث كانت الممثلة الأميركية والوريثة الشهيرة إيدي سيدويك، التي مثلت في عدد كبير من أفلام المخرج الشهير آندي وارهول، عارضة الأزياء الخاصة بجونسون، بينما بدأ كيل قبل زواجهما بارتداء تصاميمها خلال جولاته الفنية وأيامه العادية، لتبدأ عام 1969 غزوها لسوق البيع بالتجزئة، من خلال فتحها لمتجرها الخاص «بيتسي بونكي نيني»، لتحصل على وظيفة مباشرة بعد ذلك، لدى مصمم الأزياء الأميركي الشهير من سان فرانسيسكو آلفن دسكن، لتعيش منذ تلك اللحظة حياتها متنقلة بين سان فرانسيسكو الشاطئية المشمسة، ونيويورك حتى نهاية الستينات.
عمل وتطور
ومع حلول عقد السبعينات، جاءت فرص مهنية جديدة لبيستي، حيث حصلت على منصب المديرة الإبداعية للعلامة التجارية آلي كات، وهي العلامة التجارية التي يمكن اعتبارها المحددة والموجهة الرئيسة لموضة الـ«روك آند رول» لفترة السبعينات، ذات التأثير البوهيمي والعرقي الذي انتشر بكثافة في تلك الفترة، بينما تعاقدت عام 1972 مع مصمم الأزياء الشهير آنذاك والستون، حيث نالت في تلك الفترة جائزة «كوتي» أو جائزة نقاد الموضة الأميركيين، والتي تعتبر الأهم والأعلى قدراً في مجال تصميم الأزياء، لتكون بذلك المصممة الأصغر سناً التي تحظى بهذا الشرف.
قررت جونسون عام 1978 أن تدخل تغيراً دراماتيكياً على حياتها، حيث قررت أن تبدأ عملها الخاص بعد عقد من العمل لمصممين آخرين، مؤسسة دار أزيائها الخاصة «بيتسي جونسون» مع شريكتها شانتال بيكون، حيث أعطاها العمل على تصاميمها الخاصة، الحرية الإبداعية التي كانت تتمناها، وتنفيذ رؤيتها الحقيقية، لتقوم خلال العام ذاته بافتتاح متجرهما في منطقة سوهو في مانهاتن النيويوركية، والتي تعتبر أشهر وأرقى المناطق في نيويورك.
وقد كانت جونسون واحدة من أوائل الذين افتتحوا فرعا لهم في جادة مليروز في لوس أنجلوس، الأمر الذي ساعد بشكل كبير في أن تحظى الجادة لاحقاً بشهرتها الحالية الكبيرة في قطاع الأزياء والأناقة في ذلك العقد، بينما تبلغ فروع متجر «بيتسي جونسون» حاليا أكثر من 50 فرعاً حول العالم، وهو التوسع العالمي الذي بدأ منذ عام 1998، في لندن، وعام 1999 في فانكوفر وفي تورنتو الكنديتين عام 2003، بالإضافة إلى فرع آخر في اليابان عام 2006، بالإضافة إلى نقاط بيع في عدد من متاجر بيع الماركات العالمية في أوروبا وآسيا، والشرق الأوسط.
انتشار وتوسعة
مع حلول عقد التسعينات، كانت أغلب تصاميم وملابس جونسون منتشرة في الولايات الأميركية وخارج أميركا أيضا، مشتهرة بأسعارها المعقولة والمقبولة، لتصفها بولين ميلر من مجلة «ألور» في إحدى المقالات قائلة «إن تصاميمها مرحة وأنثوية، ومغوية، بالإضافة إلى أنها عنيفة ومستفزة قليلا، كما تتميز عروض أزيائها بالظرف والمرح والبراعة، ومستعجلة قليلا مما يعطيها تأثيراً عفوياً ورديئاً بطريقة بعيدة عن الزيف والاستعراض، إلا أن هذه التصاميم ذاتها، تبدو في المتجر حقيقية جداً وبأسعار مناسبة»، بينما علقت جونسون على تصاميمها في إحدى المقابلات قائلة «لم يكن لدي يوما فكرة جديدة أو مبتكرة، فكل ما أقوم به هو ببساطة أنني أحب صنع وتنفيذ الأشياء، فالحقيقة أن الأزياء لا تتغير لتلك الدرجة حقاً، فأنا لا أزال أقوم بما كنت أقوم به في البدايات، ولم يتغير علي شيء».
في عام 2003 أدخلت جونسون خطوطاً جديدة للتصاميم، منها الأحذية والملابس الداخلية، بالإضافة إلى الحقائب، والأحزمة، وإكسسوارات الملابس الشتوية، والنظارات، والساعات، والمجوهرات، وملابس السباحة، والعطور، محولة علامتها التجارية من مجموعات أزياء موسمية، إلى علامة تجارية عكست شكلاً من أساليب الحياة الأميركية.
منزل وعطلات دائمة
قد يكون العام 2003 عام حظ واستقرار لجونسون، فمع إطلاقها لمجموعاتها الجديدة، قامت خلال رحلة لها إلى المكسيك، بشراء فندق صغير، أسمته «بيتسيفيل» لتحوله لاحقاً إلى منزل عطلات فخم، تتردد عادة بزيارته للابتعاد عن صخب نيويورك ، والعمل بهدوء مستوحية أفكارها في أجوائه، حيث وقعت جونسون في غرام المكان وأجوائه، الأمر الذي جعلها تقوم بشراء منزل آخر عام 2004 في المكسيك تحت اسم «بيتسي فيـلا»، ومع حبها الدائم للمشروعات المنزليــة، قررت جونسون أن تحول منزلــها الأول «بيتسيفيل» إلى مبنى تؤجره للراغبــين في قضاء عطلة صيفية وكانت لمساتها الخاصة في التصميم السبب في أن يظهر العقار في مجلة «إن ستايل هومز» في أبريل من عام 2005، بينما اختارت منزلها الجديد ليكون مقرها الشخصي الدائم في المكسـيـك.
مرض وقضية
عادة ما تكون التجارب الشخصية خلف اعتناق شخص ما لقضية أو مهمة معينة، وهذا ما حدث مع جونسون، التي قررت أن تكرس أوقات فراغها في محاربة مرض سرطان الثدي، بعد أن عانت من صدمة الإصابة بالمرض ومحاربته في مرحلة شاقة من حياتها، مما جعلها تقف بقوة مع مشروعات محاربة المرض، من خلال تبرعها وتعاونها وحضورها الدائم في أحداثه العامة، ومشاركتها الدائمة في مهمات جمع التبرعات من خلال ابتكارها تصاميم مميزة تم بيعها في المزادات مؤازرة للقضية، بينما قام مجلس مصممي الأزياء الأميركيين عام 2003 بتعيينها عضواً فخرياً في المجلس، في مبادرة بعنوان «الموضة تستهدف سرطان الثدي»، بينما تم تكريمها عام 2004، من قبل الائتلاف الوطني لسرطان الثدي، لدعمها الفعال المستمر للقضية، بينما قامت في العام ذاته بالتعاون مع صاحب كتاب «لم أضع أحمر الشفاه؟.. لاستئصال ثديي» غيرلان لوكاس، مصممة قميصاً تم إطلاقه في دار أزيائها للقضية ذاتها، بينما أقيم عدد من الأحداث المتسلسلة سميت «كوراج نايت» أو «ليالي شجاعة»، لمحاربة المرض أيضا.
الدهشة والانبهار
تقول بيتسي جونسون «صنع الملابس يعني القيام بما أحبه، من لون، ونقوش، وأشكال، وحركة، أحب العمل اليومي الذي تقتضيه مهنتي، أحب الناس، أحب الشعور بذلك الضغط والتوتر الناتج عن العمل، أحب الدهشة والانبهار اللذين أشعر بهما حين تدب الحياة في خربشاتي وتصاميمي، وأراها ترقص وتتهادى حول أجساد النساء، تأخذ الحياة من حركة الجسد وانفعالاته، تلفت الانتباه إلى جمال مرتديتها واختلافها، مزاجها وتحركاتها، أحلامها وخيالاتها».
|