رحيل فاعل خير

سامي الريامي

   
لم أشاهده عن قرب أبداً، ولم يجمعني به أي لقاء، ولم تصافح يدي يده إطلاقاً، كما لم تقع عيناي على عينيه. ومع ذلك كنت أعرف الكثير عنه..

 
لا أعرفه معرفة شخصية، لكني أكنّ له كل تقدير واحترام ومحبة وإعجاب شديد، لسببين، الأول نفسي وتاريخي يشاركني فيه جميع أهل الإمارات  كونه ابن الشيخ زايد. ونحن في الإمارات نذوب محبة واحتراماً في كل من يرتبط بهذا الرجل الذي حفر اسمه في قلوبنا وعقولنا، وسيظل كذلك.


أما السبب الثاني، فكونه أحد الداعمين الرئيسين، والمتبرعين بسخاء شديد لعدد كبير من الحالات الإنسانية التي يعرضها «الخط الساخن» على صفحات «الإمارات اليوم».. إنه الفقيد الراحل الشيخ ناصر بن زايد..


نعم خسرنا برحيله يداً بيضاء ساهمت في نزع أحزان أعداد كبيرة من المواطنين والمقيمين من دون أن يشعر بذلك أحد.. لم يكن يبحث عن شهرة، ولم يخلط عمله بذرّة رياء، فلقد كان يُصرّ على عدم ذكر اسمه، وكانت كلمتا «فاعل خير» الأحب إليه.


لم أكن أستطيع إعلان ذلك في حياته، فلم يكن هدفه الإعلان، لكني أستطيع ذكر ذلك اليوم، بكل فخر، متضرّعاً إلى الله العلي القدير أن يجعل ذلك كله في ميزان حسناته، وأن تكون مساعداته التي قدمها كلها صدقات جارية إلى يوم يبعثون.

 

لا أستطيع حصر الحالات التي انفرجت كربتها على يده، لكني كنت أثق دائماً في أنه مفتاح الفرج عند نشر قصص أشخاص سُدّت في وجوههم أبواب الفرج، وغالباً ما تصدق توقّعاتي، وأُصبح اليوم التالي على هاتف اعتدت على رؤية أرقامه، ليبلغني بأنه تكفّل بعلاج الحالة المنشورة دون تحديد سقف لتكلفة العلاج، أو توفير مسكن لعائلة ما.

 

 وفي إحدى الحالات التي لا يمكن أن أنساها، أرسل فوراً مبلغاً مالياً سريعاً لمساعدة إحدى العائلات المواطنة مؤقتاً على تصريف أمورها، وتحمّل تكلفة علاج سيدة في تلك العائلة، مع دفع إيجار السكن لهم إلى حين انتقالهم إلى مسكن خاص، بعدما أعطاهم مبلغ 700 ألف درهم لشراء منزل دائم، فور قراءته معاناتهم في «الإمارات اليوم»..

 

لقد ساهم بشكل فاعل في مساعدة المحتاجين، وتخفيف وطأة الحياة عن كاهل الكثيرين. وكان في غالب الأحيان أول المبادرين لحل قضايا «الخط الساخن».


لا أنسى أبداً الجملة الشهيرة التي يبادرني بها من يرسله لمتابعة الحالات حين يقول: «يسلّم عليكم الشيخ ناصر، ويقول موضوع الحالة المنشورة اليوم انتهى، وهو بيتحمّل كل شي، بس لا تكتبون اسمه»!


وهذا ما كان يحدث، فعل الخير من أجل الخير، لم يكن أحد يشعر بذلك ولا يعرف تفاصيل ذلك، حتى الإخوة العاملون في «الخط الساخن» لم يكونوا على دراية باسم فاعل الخير هذا الذي بسط يديه بسطاً لفعل الخير.


اليوم فقط أستطيع أن أذكر أن ناصر بن زايد، كان في معظم الحالات هو فاعل الخير.. ذهب إلى حيث يؤجَر على كل ما قدّم للمحتاجين والفقراء، إلى حيث سيجد الثواب عن كل دمعة حوّلها إلى بسمة.. ذهب ليلقى أجر كل كربة ساهم في تفريجها.. وكل مريض ساهم بفضل سخاء يديه في علاجه، واستمرار حياته بصحة وعافية، إن الله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.  

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر