وصف مدير مهرجان الأفلام العربية في روتردام السينمائي خالد شوكت المهرجانات السينمائية العربية بالمتواضعة والفقيرة في امكاناتها المادية والفنية، باستثناء عدد قليل منها، حيث تظل إمكاناتها في عرض الأفلام واستضافة القائمين على صناعة الأفلام محدودة، إلى جانب المعاناة التي تواجهها بسبب فقر الإنتاج العربي والذي لم يتجاوز في أفضل مواسمه 100 فيلم روائي، و400 فيلم وثائقي، وهو عدد متواضع جداً مقارنة مع أي دولة أوروبية صغيرة.
واعتبر شوكت «ان العالم العربي رغم تعدد المهرجانات الفنية التي تقام فيه، إلا أنه لايزال يعيش نقصاً فادحاً في هذا النوع من المهرجانات، بدليل ان العدد الكامل للمهرجانات السينمائية والفنية في الوطن العربي لا يتعدى ربع عدد المهرجانات التي تنظم في بلد مثل فرنسا الذي لا يتجاوز عدد سكانه ربع عدد السكان في العالم العربي»، مؤكداً «ان هذه المهرجانات أصبحت حاجة ثقافية ملحة في ما يتعلق بعرض الفيلم المستقل كمنتج فني وليس كمنتج تجاري، حيث تجد الأفلام التجارية حظها من التوزيع، على عكس الأفلام الفنية التي تجد مشكلات في التوزيع والتسويق، وهكذا أصبحت المهرجانات الوسيلة الأولى لتعريف الجمهور والمشاهد العربي بهذا النوع من الإنتاج. وأشار شوكت إلى الدور الذي تقوم به مهرجانات الفيلم في تحفيز المنتج سواء من خلال الجوائز التي تقدمها أو من خلال خلق فرص للتواصل بين المنتج والموزع خصوصاً ان «بعض المهرجانات السينمائية العربية في طريقها للتحول إلى سوق للفيلم وهو أمر مهم جداً»، إضافة إلى «أن المهرجانات على مستوى العالم العربي أصبحت وسيلة لتوثيق الصلات بين المشرق والمغرب وبين المبدعين في مختلف الدول العربية وهو أمر إيجابي يرصد لها».
تصنيف ظالم وحول المفهوم السائد لدى بعض المنتجين بأن أفلام المهرجانات لا تحقق نجاحاً جماهيرياً عند عرضها ما كان يدفع الكثير منهم لرفض عرض أفلامهم في المهرجانات، قال شوكت «بدأ هذا المفهوم يتغير في الفترة الراهنة، وأصبح لدى كبار المنتجين في الدول العربية وخصوصاً مصر وجهة نظر إيجابية تجاه المهرجانات والمشاركة فيها، ربما كانت المهرجانات في مصر تظلم الأفلام نسبياً باعتبار أن ثمة تصنيفاً مصرياً خاصاً يقسم الأفلام إلى أفلام مهرجانات وأخرى لشباك التذاكر، وهو التصنيف الذي بدأ يهتز عقب ظهور أفلام ذات قيمة فنية عالية حققت نجاحاً في المهرجانات كما حققت إيرادات عالية عند عرضها جماهيرياً مثل فيلم «الجزيرة» الذي يجمع بين القيمة الفنية الجيدة والقدرة على تحقيق إيرادات على مستوى شباك التذاكر، والوضع ذاته ينطبق على «حين ميسرة» و«هي فوضى»، ومن قبلهما «سهر الليالي» و«قص ولزق» وغيرها من الأفلام التي استطاعت الجمع بين الشباك والقيمة الفنية التي تؤهلها للمشاركة في المهرجانات وانتزاع جوائز». العرب في «كان» وانتقد مدير مهرجان الأفلام العربية بروتردام الطريقة التي يتم الإعلان بها عن مشاركة بعض الأفلام العربية في المهرجانات الدولية وخصوصاً مهرجان «كان» السينمائي الدولي، وما قد تسببه من لبس لدى الجمهور، موضحاً «أن سوق مهرجان «كان» لا تمثل المهرجان ذاته، وهناك اختلاف كبير بين الاثنين، أما قيام شخص بتأجير صالة عرض في السوق وتأجير طائرة وشراء سجادة حمراء، فهو نوع من إثارة الشبهة واللبس ونشر مفاهيم خاطئة»، مشيراً إلى «أن اختيار المبرمجين للبرامج الرسمية في «كان» مازال محدوداً في ما يتعلق بالأفلام العربية، ولا يتجاوز في أفضل الأحوال فيلمين أو ثلاثة أفلام في المهرجان». ويضيف شوكت: « في اعتقادي أنه يجب ألاّ نلهث وراء المهرجانات الكبرى مثل «كان، أو برلين، أو فينيسيا»، بل يجب التركيز على الإنتاج الفني الجيد، وعندما يكون لدينا مثل هذا الإنتاج، سيأتي هؤلاء إلينا، كما في السينما الإيرانية التي لا تملك أي خطط للوصول إلى المهرجانات العالمية ولكن هذه المهرجانات هي التي جاءت إليها واختارتها لتمنحها جوائزها نتيجة لما تتميز به السينما الإيرانية من محلية»، وبين شوكت «أنا من دعاة المحلية وان تعبر الأفلام عن مجتمعها، فعلى سبيل المثال نجد ان مصر لديها صناعة سينما تعود لـ100 عام أي انها في مستوى عراقة أي مدرسة سينمائية في العالم، ولذا على صنّاع السينما بها الحفاظ على الخصوصية المصرية والتركيز على قضايا وهموم الإنسان المصري، مثل فيلم «الجزيرة» الذي قدم «الأكشن» على الطريقة المصرية وليست الأميركية، وهكذا كلما كنا محليين كلما كانت فرصنا في الوصول للعالمية أكثر». السينما في الخليج وحول تطور صناعة السينما في الخليج أشار شوكت إلى «انها مرتبطة بحركة المجتمعات في المنطقة، فكلما ظهرت مجتمعات مدنية حقيقية ومنفصلة عن الحكومات ولديها مطالبها وحراكها الثقافي والقدرة على التعبير عن ذاتها، كلما تطورت السينما»، لافتاً إلى ان «وجود مهرجانات السينما في الخليج ظاهرة صحية، وجد فيها الكثير من الشباب فرصة للاحتكاك مع الآخرين، وخلقت لديهم محفزات ليطوروا تجاربهم، خصوصاً مخرجي الإمارات»، الذين لاحظ خلال مشاركته في اسبوع السينما الخليجية في الكويت اخيراً، أنهم على مستوى التقنيات والتجارب السينمائية أكثر تطوراً من أقرانهم في الدول الخليجية الأخرى، نتيجة لوجود أكثر من مهرجان للأفلام في الإمارات مثل مسابقة أفلام من الإمارات ومهرجان دبي السينمائي الدولي ومهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، ومسابقة «أناسي» للأفلام الوثائقية، وكلها تجارب محفزة وإيجابية بالنسبة لهؤلاء الشباب. جديد روتردام وعن الجديد الذي يقدمه مهرجان الفيلم العربي - روتردام في دورته الثامنة والتي ستنعقد في الفترة من 18 ولغاية 22 يونيو الجاري؛ أشار إلى انه إلى جانب المسابقات يتضمن المهرجان هذا العام عدداً من البرامج الخاصة الجيدة منها برنامج خاص حول جدار الفصل العنصري في فلسطين يضم مجموعة من الأفلام الوثائقية والروائية التي تناولته، وبرنامج خاص حول دور الأسرة في الإنتاج السينمائي العربي من خلال نموذج «آل العدل» في مصر، وهناك أيضاً كرفان السينما العربية الأوروبية الذي يتيح للعام الثالث على التوالي الفرصة للتعريف بمجموعة من المخرجين الأوروبيين من أصل عربي، بالإضافة إلى عدد من المحاور الجديدة التي تمس الإنسان العربي وقضية الحوار بين العالم العربي والغرب بشكل عام. أزمة تمويل وتطرق شوكت إلى أزمة التمويل والاستمرارية التي تواجه المهرجانات المهتمة بالفيلم العربي في أوروبا، مشيراً إلى «أن توقف بينالي السينما العربية في معهد العالم العربي الذي يعد أعرق هذه المهرجانات يمثل تجسيداً لحجم هذه الأزمة»، موضحاً «أن هناك مشكلات تواجه هذه المهرجانات لأنها في النهاية متخصصة في سينما العالم العربي وتقام خارجه دون وعي من المسؤولين العرب أهمية هذه الفضاءات السينمائية ودورها». واعتبر شوكت «أن التحدي المالي هو التحدي الأكبر الذي تواجهه هذه المهرجانات لأن رعاتها عادة ما يكونون أوروبيين، وهم لديهم أولوياتهم وقد يقررون في فترة من الفترات إيقاف الدعم جزئياً أو كلياً ما يعيق هذه التجارب»، معرباً عن أمله في ان يكون هناك وعي عربي رسمي وغير رسمي بأهمية هذه التظاهرات الثقافية باعتبارها سفارات من نوع آخر، حيث تحاول الدفاع عن العالم العربي وقضاياه وأن تحمل رسائله ووجهة نظره إلى الآخر، والحفاظ عليها هو حفاظ على مصالح عربية بطريقة استراتيجية، ولذا يجب ان تستحوذ المهرجانات على انتباه الرعاة العرب، خصوصاً الذين أصبح لهم مصالح دولية وعالمية، وربما بعض المؤسسات الخيرية العربية، والتي لم تطرق حتى الآن إلا الجوانب الدينية والاجتماعية، دون الجوانب الثقافية والفنية التي لا تقل أهــمية. من جانب آخر أوضح ان اختيار الأفلام التي تعرض في المهرجان لم يعد يمثل صعوبة في السنوات الأخيرة، لافتاً إلى ان الصعوبة تكمن في ان الإنتاج العربي غير مستقر، «وفي النهاية نحن مرتبطون بالإنتاج، وعموماً في السنوات الأخيرة لم نعد نجد صعوبة في الحصول على أفلام جيدة، خصوصاً اننا نعرض ما يراوح بين 50 - 60 فيلماً نصفها في المسابقات، بل بالعكس احياناً نجد صعوبة في إيجاد مجال زمني لعرض كل الأفلام الجيدة». السينما المغاربية يرى شوكت أن السينما المغاربية منذ البداية متطورة نسبياً على مستوى العالم العربي نظراً لاحتكاكها بالسينما الغربية، ولكن بدأ العرب يتعرفون إلى ملامحها في الفترة الاخيرة بعدما اتيحت لها فرصة الوجود في العالم العربي اكثر مما كانت عليه في السابق، سواء على مستوى المهرجانات او القنوات العربية التي أصبحت تعنى بالمشاهدين في المغرب العربي والذي يبلغ عددهم 100 مليون نسمة، وبالتالي لم يعد التسويق على القدر ذاته من الصعوبة، لافتاً إلى ان الفيلم في السينما المغاربية مازال فيلم المخرج، أو فيلماً مدعوماً من جهات محلية او غربية، حيث لا توجد صناعة سينمائية بمعنى مؤسســة تنتـج وتعتـمد في استمراريتها على الشباك والاعلان والتوزيع، كما في مصر التي تعد الدولة الـعربية الوحيدة التي تمتلك هذا النظام المؤسسي. فوضى شاهين تفتتح روتردام من المقرر أن تفتتح فعاليات المهرجان في دورته الثامنة بفيلم «هي فوضى» للمخرج يوسف شاهين، وسيحل الفيلم المغربي لولا للمخرج نبيل عيوش ضيف شرف في حفل الختام، كما تم ترشيح فيلمي «جنينة الأسماك» إخراج يسري نصر الله وسيناريو ناصر عبدالرحمن، و«حين ميسرة» لخالد يوسف للمشاركة في مسابقة الأفلام الطويلة، بينما يجري اختيار الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية بالتعاون مع المركز القومي للسينما وجهاتألا مصرية عربية عدة. كما يتضمن برنامج هذه الدورة الاحتفاء بمئوية عرض أول فيلم وطني مصري مع العمل علىألا إصدار كتاب تذكاري بهذه المناسبة ليكون ثاني إصدارات المهرجان بعد كتاب محفوظ عبدالرحمن عميد الدراما العربية من تأليف الأمير أباظة كما ستقام ندوة فكرية بهذه المناسبة. |