«صمت لورنا» يغافله الكلام

آرتي دوبروشي مع الأخوين ديردن في مهرجان كان السينمائي.                                              أ ب

مسكينة لورنا، تكتشف عشقها متأخرة، ويمضي بها مصيرها إلى مجهول تتعرف إليه، لتدرك أنه طريقها إلى خراب حياتها البسيطة. تضحي لورنا  بكل شيء في سبيل وهم تتمادى بالاستسلام له، لدرجة أنها تقرر الاستقرار تحت إملاءات ذاك الوهم وحيدة في غابة.


لورنا هي بطلة فيلم الأخوين ديردن، والفيلم هو «صمت لورنا» الفائز بجائزة أفضل سيناريو في الدورة الـ61 من مهرجان كان السينمائي، وبما أن جائزة السيناريو ما حصده الأخوان، بعد أن حصدا السعفة الذهبية العام قبل الفائت عن فيلمهما «الطفل»، فإننا هنا سنتعقبه، لنجد أنه بحق نقطة القوة الرئيسة في الفيلم، مضافاً إليه اداء الممثلة الصربية آرتي دوبروشي التي جسدت شخصية لورنا، وكان رهان الأخوين عليها كبيراً، وهما اللذان اختاراها  بعد مقابلة ما يقرب الـ100 ممثلة،  بل إن حديثهما عنها وبراءة وجهها المعبرة أثناء المهرجان، كانا طاغيين على الفيلم.


لورنا إذن هي المحور الرئيس لأحداث الفيلم المسمى بصمتها، نجدها امرأة ألبانية تتحدث بالهاتف مع حبيب بعيد عنها، ولديها في البيت رجل آخر تسكن معه، رجل بصدد الإقلاع عن المخدرات، تحاول تجاهله، تدخل إلى غرفة نومها وتقفل الباب عليها، يتوسل إليها أن تخرج وتلعب معه الورق، يسألها حين تخرج في الصباح أن تقفل الباب عليه لئلا يضعف ويشتري المخدرات.


تحاول لورنا في الجزء الأول من الفيلم تجاهل ذاك المدمن الذي تؤويه في بيتها، لكنها في الوقت نفسه تكتشف أنها تلبي كل احتياجاته وإن تأففت من ذلك.


السؤال الذي سيطرح نفسه هنا، من هذا المدمن؟، والإجابة هي في ارتباطها بمافيا تعمل معها على زواج الراغبين في الحصول على الجنسية الأوروبية، كون لورنا حاملة للجنسية البلغارية، وعليه يكون ذلك المدمن زوجها الوهمي واسمه كلودي، وعليها أن تعيش معه ليحصل على الجنسية، الأمر الذي يكون قد حدث، وهي لا تفكر بشيء إلا بتطليقه وبأسرع وقت ممكن، لتتمكن من زواج رجل روسي، يخبرها رجل المافيا فابيو أنه بانتظارها، وأنها ستقبض مبلغاً لقاء ذلك، تتمكن من خلاله شراء المطعم الذي تحلم به، والاستقرار مع حبيبها الحقيقي الذي يسافر من بلد أوروبي إلى آخر، ونراه تلتقي به لقاءً خاطفاً ومحموماً بالقبل.

 

مع دخول كلودي المصح، ومحاولات لورنا المستميتة للحصول على الطلاق وتعجيله، تارة بالتقدم بشكوى عليه في الشرطة، وتارة أخرى بسؤال كلودي أن يضربها بناء على اكتشافها أن تعرضها للضرب على يد الزوج يسرع من تطليقها، الأمر الذي يرفضه كلودي الزوج الوهمي، قائلاً لها إنه لا يقوى على الإقدام على هكذا فعل.


وسط ما تقدم، يندلع الحب فجأة بين لورنا وزوجها كلودي، الذي من المفترض أنه كذلك على الورق فقط، وتحدث انعطافة درامية تكون كفيلة بتغيير مصير لورنا تماماً، وتحديداً بعد مقتل كلودي إثر جرعة زائدة من الكوكايين، تكون أيادي فابيو ليست بعيدة عنها.


إثر ذلك فإن كل ما كانت عليه حياة لورنا يندثر تدريجياً، نعم تتمكن من شراء المطعم، لكنها على درجاته تكتشف إعياءها، الذي يقودها إلى إدراك أنها حامل ومن كلودي، وهنا تتصاعد أنوثتها، وتتخلى عن كل شيء لتبقي ذلك الجنين، وتخرب من جراء ذلك صفقتها مع الروسي الذي يرغب بزواجها للحصول على الجنسية، لكن الاكتشاف الأهم أن الحمل وهمي، الأمر الذي ترفضه جملة وتفصيلاً، ويتبع ذلك خسرانها كل شيء، إذ يقوم فابيو بتجريدها من كل ما لديها من أموال بموافقة عشيقها، وتسفيرها إلى ألبانيا. لكن في الطريق تغافل السائق وتهرب، وتبقى تركض داخل الغابة، إلى أن تصل بيتاً معزولاً، ونشاهدها تخاطب جنينها بأنها لن تتخلى عنه مثلما فعلت مع والده.

 

كل ما تقدم يمضي خاطفاً، ومتدافعاً، إنه الصمت الذي ما أن يتكدس حتى ينفجر كلمات وأفعالاً، الصمت الذي لا طاقة له أن يبقى على ما هو عليه حين تستيقظ إنسانية لورنا. 

تويتر