أحمد هارون.. طريد دارفور


اعترفت المحكمة الجنائية الدولية، أول من أمس، بأنها خططت لاعتقال وزير الشؤون الإنسانية السوداني أحمد هارون، أثناء توجههه لأداء فريضة الحج العام الماضي، لولا أنه أفلت في اللحظات الأخيرة، فرد هارون بأن المحكمة الدولية الجنائية  ليست أكثر من «قرصان جوي» و«غير جديرة بالاحترام»  و«مجرد مخلب قط يستخدمه الكبار للضغط على السودان».

 

في هذه السياق، لم تمثل مساعي المحكمة الجنائية للإمساك بهارون مفاجأة لأحد فعقب مساعٍ أميركية ودولية مطوّلة انتهت الجنائية الدولية إلى أن هارون هو الداعم الخفي والمحتمي بمقعده الحكومي لميليشا الجنجويد التي ارتكبت، حسب تصورها، جرائم ضد الإنسانية في دارفور، وعليه أصدرت في 27 من ابريل 2007  مذكرة للقبض عليه،وقالت المحكمة ان لديها  ادلة حول تورط الوزير في 20 جريمة ضد الإنسانية، و22 جريمة حرب، بما فيها حالات قتل، وتعذيب، وترحيل قسري واغتصاب،  وافعال منافية للإنسانية، اضافة الى هجمات ضد المدنيين، وتدمير الممتلكات، كانت المفاجأة فقط في اتباع الجنائية الدولية أساليب غير متوقعة أو مقبولة منها لتنفيذ القرار، كمنظمة دولية.

 

يمثل هارون على الساحة السودانية شيئاً أكبر من كونه مجرد مسؤول أو وزير، فهو كادر تاريخي وايدلوجي من كوادر الجبهة الإسلامية الحاكمة ارتبط بها منذ نعومة اظفاره، وتمثّل توجهاتها، وخاض معاركها منذ معارك الجبهة الإسلامية في الجامعة وحتي انقسامها إلى معسكري المؤتمر الوطني الحاكم، والشعبي المعارض، ونهاية بدوره السياسي في دارفور..

 

ولد هارون في مدينة الأبيض، وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط بمدارسها، ودرس الثانوية في مدرسة خور طقت، حيث برزت في هذه المرحلة شخصيته القوية كواحد من القيادات الطلابية، والتحق في هذه المرحلة بتنظيم الاتجاه الإسلامي، واستمر في العمل التنظيمي حتى ذهابه لدراسة الحقوق في مصر، وبرز كقائد طلابي مفوه، وتولى رئاسة اتحاد الطلاب السودانيين في القاهرة عام .1988

 

وبعد تخرجه وعودته الى السودان عمل في المحاماة لفترة، ومن ثم التحق بهيئة القضاء، وعمل قاضيا في مدينته الأبيض، ومن ثم اصبح وزيرا للدولة في وزارة الداخلية، ثم وزيرا للدولة بوزارة الشؤون الإنسانية.  وبعد مفاصلة الرابع من رمضان الشهيرة بين فريقي الرئيس عمر البشير والمعارض د. حسن الترابي انحاز هارون لجماعة «القصر الرئاسي». 

 

رفضت الحكومة السودانية تسليم هارون للمحكمة الدولية، مؤكدة انه ليس له اي علاقة بميليشيا الجانجويد كما أنها ـ أي السودان ـ غير موقعة على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، ان هذه المحكمة ليس لها اي سلطة قضائية  على هذه القضية. ويواصل هارون العمل في منصبه كوزير للشؤون الإنسانية في السودان، وقال للصحافة «إن اتهامه ليس له اي قاعدة قضائية، وانما تم ذلك لأسباب سياسية تهدف الى الضغط على السودان لتقديم التنازلات للولايات المتحدة».

 

في الجهة المقابلة، اعتبرت قوى سياسية سودانية معارضة «ان اعلان المحكمة كان متوقعا، وطالبت الحكومة السودانية بتسليم  هارون». وحتى الحركة الشعبية شريكة المؤتمر الوطني في حكومة الوحدة الوطنية طالبت بأن يقدم الوزير المتهم  استقالته وتجنيب السودان المواجهة الدولية والعمل على حل قضية دارفور».

 

مصير هارون معلق بالتجاذب السياسي السوداني الداخلي بين الحكومة وحلفاءها ومعارضيها ومتمرديها في الغرب والجنوب، والخرطوم وعواصم الغرب وقوي المجتمع المدني ومنظمات حقوقية وغربية، لكن المشكلة في قضية هارون أنها لا تنتهي عند حدود جسده، فكما يعتقد محللون متابعون فإن تسليم هارون للمحكمة هي بالونة الاختبار التي يمكن ان تنسحب على كل شيء وعلى الجميع بمن فيهم عمر البشير ذاته.

تويتر