الكلمة الطلقة

خليل قنديل

       
إنّ الكلمة التي يتلقاها الشاعر الذي يقيم دائما في منطقة الشفافية التي لاتحتمل مضغ الكلام وإطلاقه على عواهنه، قد تتحول وهي تخترق الروح الشاعرية الكامنة في هذه الشفافية الحساسة جدا الى طلقة قاتلة.


 وهذا يجعلنا نجزم بأن الكلمة التي يبدو نطقها يقع في العادية ومضغ الكلام، يُمكن لها في لحظة تاريخية قاسية ان تتحول الى طلقة قاتلة ومميتة.


واذا كان جدنا المتنبي قد تورط بمبارزة ليلية ربما لم يكن بمستواها على الصعيد القتالي، حينما أراد ان يدير ظهره للقتال ويولي هاربا. فكان تذكيره بالبيت الشعري الذي يقول في مطلعه«الخيل والليل والبيداء تعرفني..الخ». هو الكلمة التي كانت بمنزلة الرمح أو السيف التي جعلته يخسر حياته.


ولعل الساحة الثقافية العربية ما زالت تذكر الضجة التي أثيرت حول موت الشاعر المصري صلاح عبد الصبور في شهر آب عام 1981، حيث كان الشاعر الراحل قد تعرض لنوبة قلبية حادة، إثر مشادة كلامية مع الفنان الراحل بهجت عثمان في منزل صديقه الشاعر احمد عبدالمعطي حجازي، وذلك على خلفية قبول الشاعر عبدالصبور لمنصب رئيس مجلس ادارة هيئة الكتاب. وقد قالت أرملة صلاح عبد الصبور سميحة غالب وقتها «سببب وفاة زوجي أنه تعرض الى نقد واتهامات من قبل أحمد عبدالمعطي حجازي، وبعض الموجودين في السهرة.. وانه لولا هذا النقد الظالم لما مات زوجي».


وفي ذاكرة الساحة الثقافية العربية ورموزها وروادها، نذكر ان أحد المثقفين العرب قد جزم كتابيا بأن سبب وفاة الشاعر نزار قباني الذي كان في وضعية صحية حرجة في لندن، ان احدهم اقترب من القباني وهمس في أذنه قائلا إن أحد الشعراء الرواد في القصيدة العربية الحديثة قال « إن الشاعر نزار قباني لو لم يغن له الفنان العراقي كاظم الساهر،لما علم به احد، وأن الساهر هو سبب شهرته الشعرية عربيا».


وقد قيل إن هذه الملاحظة التي صُبت في أذن الشاعر نزار قباني وقتها كانت  الطلقة القاتلة لروحه.


وقد كان يُمكن للهجمات النقدية التي تعرض لها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، لولا صلابة روحه الشعرية، ان تنال منه ومن قلبه المتعب بأكثر من عملية جراحية، حين اتهم وبعد هذا المشوار النضالي الطويل مع القصيدة النضالية والمقاومة، بأنه يسوق في قصائده للموروث التوراتي.


ولعل النائم والمسكوت عنه في جلسات النميمة والضغينة في أكثر من ساحة عربية، على مستوى علاقة التحاسد والتباغض بين الكتاب والمبدعين، ربما يعمل مستقبلا على إزهاق أرواح العديد من الشعراء والكتاب. ويكون السبب كلمة تقال وتطلق على مبدع سرّ توهجه الابداعي تلك الرهافة، او تلك الشفافية.


الى هذا الحد يمكن للكلمة أن تتحول الى طلقة قاتلة.

 

والى هذا الحد يمكن أن نطلب من كل اليعاسيب والطحالب الثقافية ان تكف عن إطلاق تلك الكلمة التي من الممكن ان تودي بحياة؛ حياة اجمل ما فيها أنها مضاءة بالكلمة المبتهجة بالشعر.
 
تويتر