النهام وفقد الشهية.. مرضان سببهما الرغبـة في الرشـاقة

 

يعكس السلوك الغذائي لدى الأشخاص، الحالة النفسية التي يعيشونها، فيتسم إما بالانضباط، أو الاضطراب، وغالباً ما يكون الأخير جرس إنذار لأمراض عديدة، وفي مقدمتها مرض النهام العصبي (البوليميا)، وفقدان الشهية العصبي (الأنوركسيا)، اللذان يؤديان إلى الموت المحتم مالم تتم مجابهتهما بالعلاج الطبي ثم النفسي.

 

 وتصف اختصاصية التغذية في قسم السكّر والغدد الصماء في مستشفى البراحة، العنود عبدالجليل المطوع، مرض البوليميا بأنه «التهام الأكل بنهم وشراهة كبيرة، وبطريقة عشوائية تمنع الإحساس بلذته، لدرجة تفوق الشبع، وبعد ذلك ينتاب المريض شعور كبير بتأنيب الضمير، يقوم على إثره بالتقيؤ سراً عن طريق إدخال الإصبع في الفم أو استخدام الأدوية والمسهلات للتخلص مما أكله»،  وتؤكد اختصاصية التغذية رئيسة قسم التغذية في مستشفى القاسمي لطيفة راشد أن أوزان مرضى البوليميا «غالباً ما تكون طبيعية، أو تزيد على الطبيعي بين خمسة الى ستة كيلوغرامات، وهو ليس بالأمر المعضلة».

 

وتتنوع أسباب الإصابة بالبوليميا، بين النفسية والعصبية كما تقول المطوع «فالانهيار العصبي والتوتر العاطفي والاكتئاب كلها تؤدي إلى الإصابة بالبوليميا، وغالباً ما يعاني أصحاب هذا المرض من مشكلات عائلية أو عاطفية أو مادية»،  وتقول راشد إن البوليميا تنتشر بين صفوف النساء فوق سن العشرين أكثر من الرجال «لأسباب عديدة منها التغييرات النفسية والبيولوجية التي تمر بها المرأة واهتمامها بصحتها وخوفها الدائم من الإصابة بالسمنة، في ظل صورة المرأة الرشيقة التي تجتاح فضائياتنا، لتصبح الرشاقة مع الوقت هدفاً لابد من تحقيقه».

 

وتؤكد المطوع أهمية وضرورة متابعة الأهل، لاسيما أن أصحاب هذا المرض «يأكلون سراً، لخجلهم من نظرات الآخرين وتعليقاتهم على طريقة أكلهم العشوائية، كما يلجأون إلى التقيؤ المتعمد سراً كذلك».

 

وللتقيؤ المتعمد مضار صحية خطيرة جداً، تترك آثاراً سلبية على جسم الإنسان، ومنها كما تقول المطوّع «الإصابة بالجفاف، ونقص الأملاح والفيتامينات والمعادن التي يحتاجها الجسم، فيصاب المريض بالشحوب وبانتفاخ في الوجه، ويبدو على الشخص المرض، ويبدأ الشعر بالتساقط وهنا يتم اكتشاف أمرهم»، وتؤكد ذلك لطيفة راشد قائلة إن «التقيؤ المتعمد قد يؤدي إلى فتق في المريء، والارتجاع الحامضي من المعدة نتيجة لمحاولات التقيؤ المستمرة»، وهنا تؤكد لطيفة انه لابد من علاج الشخص المصاب فور اكتشاف اصابته، الامر الذي من دونه يستحيل استمرار بقائه على قيد الحياة، حيث يصلون إلى مرحلة سوء التغذية، لعدم استيفائهم لاحتياجاتهم الغذائية»، وحول طرق علاج مرض البوليميا تقول لطيفة راشد إن «علاج مرض البوليميا يعتمد على علاجين طبي (غذائي)، وعلاج نفسي،  يكملان بعضهما، ويعتبر العلاج الطبي أكثر أهمية لتدارك تفاقم المرض والحد من آثاره السلبية، وذلك من خلال إخضاع المريض لنظام غذائي صحي، لرفع السعرات الحرارية التي يكون قد فقدها نتيجة للتقيؤ المستمر تدريجياً، وذلك من خلال تناول الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية ذات القيمة الغذائية العالية»، وتؤكد لطيفة «ضرورة إشراك الأهل في المتابعة الحثيثة للمساهمة في العلاج».


الأنوركسيا

 أما مرض الأنوركسيا فتصفه المطوّع بالقول هو «الامتناع عن تناول الطعام بإرادة الشخص، بدافع نفسي أو الرغبة في إنقاص الوزن أو خوفاً من السمنة، ويصيب النساء أكثر من الرجال كما هو مرض البوليميا للأسباب نفسها، وهن المراهقات اللاتي غالباً ما تكون أوزانهن طبيعية أو أقل من الطبيعي».

 

وتذكر المطوع أنها واجهت إحدى الحالات المرضية المصابة بمرض الأنوركسيا، وتصفها بأنها «كانت مصابة بنحول شديد وتدهور صحي، لدرجة كان يصعب عليها الوقوف على رجليها، وقد سافرت للخارج للعلاج وتماثلت للشفاء».وهنا تؤكد لطيفة ان «المراهقات اللاتي ينتمين إلى طبقة اجتماعية راقية غالباً ما يصبن بالأنوركسيا، لأنهن يكن أكثر المهتمات والمتابعات لخطوط الموضة والأزياء القائمة على الرشاقة بالدرجة الأولى»، وتذكر المطوع ان مرض الأنوركسيا «يسمى بمرض الموت، لأنه يؤدي إلى الموت المحتّم في سن صغيرة، لعدم تلبية احتياجات الجسم الضرورية من الطعام»، وتؤكد انه لابد من إخضاع المريض للعلاج فور اكتشاف المرض، «لاسيما أن عوارضه تكون واضحة للعيان، وتتمثل في جسم هزيل ونحيل، ويبدأ بالتدهور السريع، نتيجة سوء التغذية الشديدة، التي يصعب معها تأدية مهام أعضاء الجسم المختلفة بالصورة الصحيحة، وهنا تؤكد لطيفة ضرورة التدخل الطبي «للتأكد من أن المريض غير مصاب بالبوليميا، فغالباً ما يكون مرضى الأنوركسيا مصابين بالبوليميا»، وذلك لاستخدامهم للمسهلات التي يتخلص من خلالها الشخص من السوائل التي يحتاجها مريض الأنوركسيا، وبعد ذلك يتم إخضاع المريض لنظام غذائي كما هو حال مرضى البوليميا، «ولكنه يختلف باختلاف حاجة المصاب، وبعض الحالات الشديدة تتم تغذيتها عن طريق الأنابيب»، وترى رئيسة قسم التغذية في مستشفى القاسمي ان مدة علاج مرض الأنوركسيا كما هو الحال بالنسبة لمرض البوليميا، تعتمد على مدى استجابة المريض وتعاونه مع اختصاصي التغذية والاختصاصي النفسي، فضلاً عن تعاون الأهل والأصدقاء المقربين من المريض»، وتؤكد «يتماثل الكثيرون للشفاء من مرضى الأنوركسيا والبوليميا، في حال اكتشاف المرضين مبكراً».

 

وتذكر لطيفة أن وجه الشبه والاختلاف بين مرضى البوليميا والأنوركسيا يكمن في ان المريضين «تجمعهما الرغبة في إنقاص الوزن، والخوف من السمنة»، والاختلاف في أن «مريض الأنوركسيا لا يلجأ إلى التقيؤ كما يفعل مريض البوليميا».

 

وتختم لطيفة بالقول إنه لتفادي مرضي البوليميا والأنوركسيا «لابد من التعرف إلى حاجات الجسم الغذائية لكل فئة عمرية للعمل على تلبيتها، وقياس وزن الجسم والتأكد من أنه في حدوده الطبيعية، وهو الرقم الذي ينتج بعد إنقاص (100) سم من الطول، وممارسة الرياضة بشكل مستمر لدورها الكبير في المساهمة بتنظيم الشهية».

 

حالات مرضية

وتذكر شيماء محمد، موظفة، أن إحدى زميلاتها في المرحلة الجامعية كانت تعاني من مرض البوليميا، «واليوم أدركت ذلك، بعد قراءتي عن المرض في المواقع الإلكترونية، كانت تعاني من السمنة وخسرت وزناً كبيراً من جسمها، وأكدت لي أنها كانت تكثر من أكل الوجبات السريعة»،ومن المعروف أن المصابين بهذا المرض يكثرون من تناول الوجبات السريعة، وتكمل «ارادت المحافظة على جسمها، من خلال اتباع حمية غذائية، ولكن في بعض الأحيان كانت تأكل بشراهة بصورة غير منطقية أصنافاً كثيرة غير متوازنة، وفور عودتها للبيت كانت تقول لي أنها تقيأت الأكل الذي تناولته».

 

الوزن الزائد

وتقول نورة محمد إن إحدى قريباتها عانت من مرض البوليميا «كانت سمينة بعض الشيء، وكانت تخجل من نفسها حين تمشي بين طالبات المدرسة، وكانت تلجأ لتقيؤ كل ما تأكله رغبةً منها في إنقاص وزنها، وكان لها ما أرادت بعد فترة»، وتضيف أن أفراد أسرتها  اكتشفوا الأمر ونصحوها بالإقلاع عن هذه العادة و«اللجوء إلى الأكل المتوازن للمحافظة على وزنها الحالي الذي يعد في الحدود الطبيعية، فأخذت بنصيحتهم، إلا أنها باتت تشعر بحساسية في معدتها تجاه بعض أصناف الطعام، فتتقيؤها على الفور دون تعمد».

 

مشاهير أصيبوا بالمرض

اعترف عدد من المشاهير بمعاناتهم من الأمراض المرتبطة بسوء التغذية، ومنهم:

الأميرة الراحلة ديانا، والتي أصيبت بمرض البوليميا لأسباب عدة، منها مشكلاتها الزوجية، الأمر الذي أدى إلى اعتراف الكثيرين بإصابتهم بالمرض، وانتباه الآخرين له.

 

 الممثلة العالمية جين فوندا، فقد أصيبت وهي في سن الثانية عشرة بمرض البوليميا، ولمدة 30 سنة عانت من مرضي البوليميا والأنوركسيا معاً، وتذكر أنها عانت كثيراً حتى تماثلت للشفاء، وكانت من أوائل ممثلات هوليوود اللائي اعترفن بإصابتهن بالمرض، وقامت بشن حملة توعية لتعزيز الوعي بهما، فكانت مثالاً تحتذي به المصابات.

 

أما المذيعة الأميركية المعروفة أوبرا وينفري، فقد اعترفت أنها عانت من مشكلات في التغذية، بعد تعرضها لحادث الاغتصاب وهي في سن التاسعة من أحد أقاربهاً، جاء ذلك في كتابها الذي تناول حكايتها مع خسارة الوزن، الذي نشر في عام .2007 

تويتر