«ليونورا».. ولادة خلف القضبان

 

خدوش وجروح تطفو على وجه جوليا (مارتينا غوسمن)، استيقظت كما لو أنها خرجت من كابوس وما حولها في الشقة يشير إلى شجار عنيف قد نشب قبل نومها وربما إغماءتها، ثمة أجساد عارية نشاهدها لمحاً ممددة على الأرض، جسدان ربما أكثر أو أقل.

 

تحاول جوليا المضي في يومها، لكن وفي الوقت نفسه كل شيء في تحركاتها متوتر، محتكم على حزن دفين، لنا أن نفسره في بداية الأمر أن زوجها أو أن أحداً ما قد قام بضربها بعنف، وغير ذلك من تفسيرات ما دام الأمر مازال غامضاً.


الحديث هنا عن فيلم الارجنتيني بابلو ترابير «ليونورا» الذي عرض في المسابقة الرسمية للدورة الأخيرة من مهرجان كان السينمائي، والفيلم منذ بدايته تتوالى صوره والكوادر مملوءة تماماً بالأجساد، بحيث تكون مسامات الجثتين في شقة جوليا بادية بوضوح تكاد تتحول إلى ثقوب، وللدقة جثة ونصف، ما دامت الجثة الثانية سيكتب لها النجاة، هذا يتبع ما  نشاهد جوليا عليه وهي  نائمة على أريكتها ولتمضي بعد ذلك إلى عملها وتعود، فمع عودتها تنهار باكية، ومن ثم رجال الشرطة يملأون الشقة، واللقطات مضخمة ومكبرة إلى أبعد حد، وعليه تتكشف خيوط حكاية الفيلم، ثمة شجار عنيف نشب في شقة جوليا، وعليها الآن أن تكون في السجن.

 

بعد ذلك لا يخرج الفيلم من خلف القضبان إلى أن يصل نهايته، نحن مع جوليا طيلة الوقت، حتى أن الحكاية نفسها تبدأ من خلف القضبان ونعرف أن جوليا قامت بقتل عشيقها في لحظة غضب، ومعه صديقه، ذاك بعد اكتشافها مثلية عشيقها، لكن وحسبما تروي، فإنها تصل درجة عالية من الغضب حينما تراهما يتقاسمان سريرها.


تلك ملابسات الجريمة التي تقترفها جوليا، لكن ليس في ذلك إلا البداية، فبعد أيام على دخولها السجن تكتشف أنها حامل من عشيقها الذي قتلته، وعليه تنقل إلى جناح خاص بالسجينات الحوامل والأمهات، وندخل عالماً كاملاً يتمثل بمعيشة الأمهات السجينات مع أولادهن، الأمر الذي يشكل دافع ترابير حسبما صرح لصناعة هذا الفيلم، لا بل إنه يحكي بأنه كان ماراً بالقرب من سجن خارج بوينس أيرس، ليلفت نظره جناح منه ملوّن وعليه رسوم، وليكتشف بعد ذلك بأنه المبنى المخصص للسجينات الأمهات وأولادهن.


يمضي الفيلم مع جوليا وكآبتها أثناء الحمل، ورغبتها العارمة بألاّ تنجب ولداً في هذه الظروف القاسية، ومن ثم كآبة ما بعد الولادة، ونعيش معها تفاصيل سجنها المؤلمة، والعالم السفلي الذي تخوض غماره مع من حولها، إلى أن تقع على صوفيا التي تتحول إلى أكثر من صديقة، لا بل تمضي معها إلى علاقة مثلية هي الأخرى، ولتحدث انعطافة أخرى متمثلة بتعلق جوليا بابنها، بتصاعد غريزة الأمومة لديها وهي تراه يكبر أمامها، وتدخل على حياتها أمها التي تكون علاقتها معها متأزمة إلى أبعد حد، لكنها وفي النهاية  تنجح أمها في أخذ ابنها منها، وتقديم الرعاية إليه، ووفق ما تراه مناسباً ومتناغماً مع ارستقراطيتها، هذا أيضاً يضاف إلى عذابات جوليا، التي لا تجد في النهاية ولدى موافقة إدارة السجن على زيارة ابنها لدى أمها إلا الهرب، وبمساعدة صوفيا التي تكون قد أنهت مدة محكوميتها.


يمضي فيلم «ليونورا» خلف حكايته بعناية بالتفاصيل النفسية والحياتية لشخصيته الرئيسة جوليا، ومن ثم من حولها الذين يكونون شخصيات مساعدة لإبراز أزماتها، ولعل بداية الفيلم تشي بشيء أهم ممّا مضى خلفه ترابير، حيث يتخلى عن جماليات بدايته ويستسلم تماماً لدرامية قصته وبحثه في عالم الأمهات السجينات، وسردها دون الحرص على الصورة اللافتة التي بدأ بها.


 

تويتر