خبراء: «القيمة المضافة» تقلل جـاذبية الاستثمار

فرض ضريبة القيمة المضافة على مواد البناء سيرفع أسعار العقارات.الإمارات اليوم

حذر خبراء تجاريون ومستثمرون من تأثير تطبيق ضريبة القيمة المضافة في جاذبية مناخ الاستثمار في الدولة، لافتين إلى أن «تطبيقها في ظل المعاناة من التضخم وغلاء المعيشة يحد من جاذبية المشروعات الاستثمارية».

 

 وأشاروا إلى أن «تطبيق الضريبة سيتسبب في صعوبة ممارسة الشركات الصغيرة والمتوسطة لأعمالها في الدولة»، مطالبين «بدراسة أي آثار سلبية منتظرة قبل تطبيق الضريبة واتخاذ الإجراءات اللازمة حتى لا تنعكس سلباً على مناخ الأعمال وتكون مجالاً لاستغلال البعض لرفع أسعار السلع والخدمات بما يزيد من مؤشرات التضخم».

 

واستبعد المدير التنفيذي لقطاع الدعم المؤسسي في جمارك دبي عبدالرحمن آل صالح وجود أي تأثير للضريبة على التضخم ومناخ الاستثمار، موضحاً أن «تأثير الضريبة ليس كبيراً على اعتبار أنها ستحل مكان الرسوم الجمركية التي تبلغ نحو 5%».

 

وأضاف أن «الضريبة المقترحة ستتراوح نسبتها ما بين 3 و5% من المنبع على السلع المستوردة» مشيراً إلى أن «هناك بعض السلع سيتم زيادة الضريبة عليها أو استمرار الرسوم الجمركية عليها كالتبغ والكحوليات».

 

 وأوضح أنه «من المنتظر بحث وضع آليات قبل تطبيق الضريبة كتخفيض رسوم المعاملات للشركات ووضع آليات عدم استغلال الضريبة». وأشار المدير المسؤول في مؤسسة «فيدرال فوود» لتجارة وتوريد المنتجات الغذائية عرار التل إلى أن «تطبيق ضريبة القيمة المضافة ستعمل على زيادة أسعار العديد من المنتجات ورفع مؤشرات التضخم بنسب كبيرة»، ملمحاً إلى أن «الضريبة تقدر بنسبة 5% على أصل الواردات، ولكنها ستصل إلى نسب تتراوح بين 25 و35% كنسب إضافية حتى تصل للمستهلك في المرحلة النهائية». 

 

وحذر من أن «تطبيق الضريبة يزيد من معاناة المستثمرين ورجال الأعمال من غلاء المعيشة»، موضحاً أن «المستثمرين يبحثون عن أفضل المناطق المناسبة لتحقيق الأرباح المناسبة لهم، حيث سيكون من الصعب تحمل الغلاء والتضخم اللذين يقللان من هوامش أرباحهم». وتساءل عن كيفية جذب المزيد من المشروعات الاستثمارية في الوقت الذي يتم فيه فرض ضريبة جديدة؟، مشيراً إلى أنه «لا يوجد رجل أعمال يستطيع تحمل أي خسائر من جراء تطبيق الضريبة التي سيتحملها في النهاية المستهلكون، فالشركات سترفع  الأسعار للحفاظ على حجم أرباحهم». 

 

وقال «إن تطبيق الضريبة لن يؤثر فقط في الاستثمارات الأجنبية، بل على مشروعات الصناعة المحلية التي تعتمد بشكل كبير على الخامات ومواد الإنتاج المستوردة»، مضيفاً أن «العاملين في المشروعات الاستثمارية ينضمون إلى فئة المستهلكين في النهاية، ما يزيد العبء عليهم».

 

 وقت غير مناسب
وأكد مدير مجموعة الشموخ الاستثمارية الدكتور علي العامري أن «الوقت الجاري ليس مناسباً لتطبيق ضريبة القيمة المضافة، لاسيما مع الارتفاعات الحاصلة في أسعار السلع والبضائع والمواد، التي ستتلقى ضربة جديدة من غلاء أسعارها بعد تطبيق الضريبة».

 

وأضاف أن «عقوداً ومناقصات جديدة سيبدأ تنفيذها العام المقبل على سبيل المثال، ووقعت خلال العام الجاري بأسعار واتفاقات معينة، سيتعرض أطرافها لخسائر جراء الزيادات الجديدة التي ستحدث في الأسعار نتيجة الضريبة، لذا فإن بدء تطبيق هذه الضريبة كان يحتاج إلى عامين آخرين قبل الإعلان عنها أخيراً».

 

واعتبر المدير العام لشركة «أورينت بلانيت» للتسويق نضال أبو زكي أن «تطبيق القيمة المضافة سيدفع المؤسسات إلى التعامل مع مستويات أعلى من التضخم، خصوصاً إذا تم ربطها بالارتفاع الحالي في كلفة المعيشة»، منوها بأن «العديد من المؤسسات الدولية تنظر إلى ضريبة القيمة المضافة باعتبارها أحد العوامل المنشطة للتضخم، بينما تحذر مؤسسات تصنيف جاهزية الاستثمار من الانتقال من وضع دون ضرائب إلى فرض ضريبة قيمة مضافة على أساس أنه يُعد دائماً مؤشراً على التراجع بالنسبة للدول المعنية بجذب الاستثمار الأجنبي».

 

ولفت إلى أن «غالبية الدول التي اعتمدت ضريبة القيمة المضافة عانت من لجوء بعض التجّار ورجال الأعمال الذين اقتنصوا فرصة الضريبة لرفع أسعار سلعهم وخدماتهم، إلى جانب انتشار مظاهر الاضطراب المؤقت من جراء تطبيقها»، مطالباً بضرورة تحكم المؤسسات المختصة في ارتفاع الأسعار بعناية في المرحلة الأولى لتطبيق الضريبة منعا لتفاقم ارتفاع كلفة المعيشة».

 

 وأوضح أن «تطبيق الضريبة ستُلقي بتأثير مباشر ومؤثر في الشركات ذات الأيدي العاملة الكثيفة أكثر من الشركات الرأسمالية المنافسة، حيث إن معدل الضريبة بالنسبة إلى سعر المبيعات هو أكبر لدى الشركات الأولى، وهو ما يشكّل عبئاً كبيراً على الاقتصاديات والصناعات المعتمدة بشدة على العمالة».

 

وألمح إلى أن «الضريبة تضر بالموظفين ذوي الدخل المتوسط أو المحدود، خصوصاً أن البعض يعتبر أن ثمة ضرائب أخرى غير مباشرة تجبى حالياً في البلد، تتمثل في الإيجارات المرتفعة ورسوم تأشيرة الدخول والتكاليف الطبية والماء والكهرباء وصولاً إلى غلاء المواد الغذائية».

 

 وأكد أن «عبء الضريبة يقع بشكلٍ غير متكافئ على أصحاب الدخل المحدود، حيث إن هؤلاء ينفقون نسبة أكبر من مداخيلهم مقارنة بالأثرياء أو ذوي المداخيل العالية نسبياً»، مقترحاً أن «يتم استبدال الضرائب المباشرة وغير المباشرة بضرائب تصاعدية متدرجة، كأن تُفرض معدلات ضريبية منخفضة على المواد الضرورية كالمواد الغذائية والملبس والدواء، ومن ثم وضع معدلات ضرائب تصاعدية على السلع الفاخرة كالسيارات وغيرها وحتى التبغ، على الرغم من أن هذا النوع من الضرائب، كما يحدث في عدد من دول العالم، غالباً ما يؤدي إلى تعقيدات تواجه الهيئات المختصة ويفتح الأبواب أمام عمليات التملص والاحتيال عبر التضليل المدروس في تصنيف السلع». 

 

ارتفاع التضخم
وحذر أستاذ الاقتصاد الكلي في كلية الاقتصاد جامعة الشارقة الدكتور أسامة سويدان، من «انعكاسات الرسوم الضريبية على الأسعار المهددة بالارتفاع فور تطبيق الضريبة الجديدة»، محذراً من «إمكانية أن يخسر القطاع الاقتصادي تنافسيته نتيجة عدم تطبيق ضرائب مماثلة في دول مجاورة»، لكنه أكد أن «هذا التأثير لن يكون كبيراً إذا ما قورنت الميزات التنافسية التي يحصل عليها المستثمرون ما بين الدولة ودول أخرى مجاورة».

 

وذكر سويدان أن «معدلات التضخم مرشحة للارتفاع بنسبة تتراوح ما بين 3 و5% على ما هي عليه الآن، بعد بدء تطبيق الضريبة محلياً، وتالياً على الجهات الحكومية المعنية أن تأخذ ذلك في عين الاعتبار خلال خطتها المقبلة».

 

وبين أن الرسوم الضريبية «ستنعكس آثارها على معظم الفعاليات الاقتصادية، ما سيدفع بأسعار العقارات على سبيل المثال للارتفاع عما هي عليه الآن، وذلك نتيجة فرض ضريبة القيمة المضافة على الواردات من مواد البناء مثلاً، والتي يحملها تاجر الجملة بالتبعية إلى تاجر القطاعي (المفرق)، ومن ثم تتحول إلى المقاول، الذي يحملها للمطور العقاري، فيما يضيفها الأخير على حسابات وميزانيات المشروع ككل، وصولاً إلى المستهلك النهائي (المشتري أو المستأجر) الذي يسددها بدوره إلى المطور بيعاً أو إيجاراً».

 

وعلى صعيد السلع الاستهلاكية، ذكر سويدان أن الضريبة «تؤثر بشكل مباشر في أسعار السلع الاستهلاكية، إذ ستسهم في رفع أسعارها بشكل ملحوظ مع بداية التطبيق، فيما سيجد المستهلك نفسه أمام حالة من الغلاء في معظم السلع والخدمات ذات العلاقة من حوله».

 

ولفت إلى أن «النظريات الاقتصادية عموماً تعترف بأنظمة الضرائب على أنها ذات تأثير مباشر في جانب العرض، إذ تخفف منه في مقابل الطلب، ومن ثم فتطبيقها لابد وأن يتم بعد دراسة مستفيضة لأوضاع السوق وميزاته التنافسية، وحالة العرض والطلب فيه».   

 

«بدعة» الضريبة   
أوضح مدير عام شركة «أورينت» للتسويق نضال أبو ذكي أن «ضريبة القيمة المضافة أو الضريبة على الاستهلاك أو المبيعات كما في بعض البلدان تُعد مكوناً رئيساً من الأدوات الضريبية التي تستخدمها الحكومات عادة لتعزيز المداخيل الوطنية، وكبديل للاقتراض الخارجي في بعض الأحيان»، مضيفاً أن «الضريبة تسهم في العادة بنحو ربع الإيرادات الضريبية الكلية».

 

وأشار إلى أن الضريبة كانت قد ظهرت «كبدعة» فرنسية أواسط القرن المنقضي، قبل أن تتوالى الدول المختلفة في تطبيقها حتى وصل عدد البلدان التي تعتمدها إلى أكثر من 136 بلداً آخذة في التزايد».

 

وأوضح أن «دائرة جمارك دبي أجرت بالتعاون مع صندوق النقد الدولي دراسة لتسهيل تطبيق مثل هذه الضريبة في الخليج العربي، حيث استندت إلى ما أوصى به صندوق النقد الدولي من فرض ضريبة على سلع محددة مثل التبغ والسيارات والأدوات الكهربائية بعد رفع الرسوم الجمركية على كل الواردات مع تحصيل الضريبة مباشرة من كل الموزعين والوكلاء وتجّار الجملة، على أن يلي ذلك مرحلة ضمان تطبيق الضريبة في مواقع بيع السلعة إلى المستهلك فعلياً».

تويتر